وقيل إن ابتداء أمره أنه كان يكتب للأمير تاجر ، صاحب بلخ وكان الأمير يصادره في رأس كل سنة ، ويأخذ ما معه ، ويقول له :
ـ قد سمنت يا حسن! ويدفع إليه فرسا ومقرعة ويقول :
ـ هذا يكفيك ؛ فلما طال ذلك عليه أخفى ولديه فخر الملك ، ومؤيد الملك ، وهرب إلى جغري بك داود ، والد ألب أرسلان ، فوقف فرسه في الطريق ، فقال : اللهم إني أسألك فرسا تخلّصني عليه! فسار غير بعيد ، فلقيه تركماني وتحته فرس جواد ، فقال لنظام الملك : انزل عن فرسك ، فنزل عنه ، فأخذه التركماني وأعطاه فرسه ، فركبه وقال له : لا تنسني يا حسن.
قال نظام الملك : فقويت نفسي بذلك ، وعلمت أنه ابتداء سعادة ، فسار نظام الملك إلى مرو ، ودخل على داود ، فلما رآه أخذ بيده ، وسلّمه إلى ولده ألب ارسلان وقال له : هذا حسن الطوسي ، فتسلمه ، واتخذه والدا لا تخالفه.
وكان الأمير تاجر لما سمع بهرب نظام الملك سار في أثره إلى مرو ، فقال لداود : هذا كاتبي ونائبي قد أخذ أموالي ، فقال له داود : حديثك مع محمد ؛ يعني ألب ارسلان ، فكان اسمه محمدا ، فلم يتجاسر تاجر على خطابه ، فتركه وعاد.
وأما أخباره ، فإنه كان عالما ، ديّنا ، جوادا ، عادلا ، حليما ، كثير الصفح عن المذنبين ، طويل الصمت ، كان مجلسه عامرا بالقرّاء ، والفقهاء ، وأئمة المسلمين ، وأهل الخير والصلاح. أمر ببناء المدارس في سائر الأمصار والبلاد ، وأجرى لها الجرايات العظيمة ، وأملى الحديث بالبلادة ببغداد وخراسان وغيرهما ، وكان يقول : إني لست من أهل هذا الشأن ، لما تولّاه ، ولكني أحب أن أجعل نفسي على قطار نقلة حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.