المتنازع فيها بقرينة الآيات التالية الذامة لمن يرجع إلى حكم الطاغوت دون حكم الله ورسوله وهذا الحكم يجب الرجوع فيه إلى أحكام الدين المبيّنة المقرّرة في الكتاب والسنّة ، والكتاب والسنّة حجتان قاطعتان في الأمر لمن يسعه فهم الحكم منهما ، وقول أولي : في أن الكتاب والسنّة يحكمان بكذا أيضا حجة قاطعة فإنّ الآية تقرر افتراض الطاعة من غير أي قيد أو شرط والجميع راجع آخر الأمر إلى الكتاب والسنّة.
من هنا ليس لأولي الأمر عليهمالسلام إلا ما لله تعالى وما لرسوله من الحكم أعني الكتاب والسنّة ، لذا لم يذكرهم الله سبحانه ثانيا عند ذكر الرد بقوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) فلله تعالى إطاعة واحدة ، وللرسول وأولي الأمر إطاعة واحدة ، ولذلك قال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).
وهذه الإطاعة المأمور بها في الآية المباركة إطاعة مطلقة غير مشروطة بشرط ولا مقيدة بقيد ، وهو دليل واضح على أن الرسول لا يأمر بشيء ، ولا ينهى عن شيء يخالف حكم الله في الواقعة وإلّا كان فرض طاعته تناقضا منه تعالى وتقدس ، ولا يتم ذلك إلا بعصمة فيهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا بعينه جار في أولي الأمر عليهمالسلام» (١).
مضافا إلى ما تقدم فإنّ عصمة الرسول وأولي الأمر في الأحكام لا يعني عدم عصمتهم في مجال إبداء الرأي وتشخيص الموضوعات ، إذ إنّ عصمتهم في هذه الناحية مستفادة من الإطلاق الموجود في صيغة افعل : «أطيعوا» فليست الإطاعة مشروطة في حكم الكتاب والسنّة فحسب بل تتعداها إلى غيرها من المجالات الأخرى.
وبهذا التقرير ظهر ضعف ما ذهب إليه العامة من حمل أولي الأمر على المتخلّفين الثلاثة أو على أمراء السرايا أو على الحكام والعلماء ، ضرورة انتفاء العصمة عنهم جميعا ، مضافا إلى عدم وجوب طاعة الأمراء كالعلماء على نحو
__________________
(١) تفسير الميزان ج ٤ / ٣٨٨ بتصرف ببعض الألفاظ.