من تفاصيل ما يشتمل على إجماله الكتاب وما يتعلق ويرتبط بها كما قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (١).
الثانية : ما يراه من صواب الرأي وهو الذي يرتبط بولايته الحكومة والقضاء ، قال تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) (٢) وهذا هو الرأي الذي كان يحكم به على ظواهر قوانين القضاء بين الناس ، وهو الذي كان صلىاللهعليهوآلهوسلم يحكم به في عزائم الأمور ، وكان الله سبحانه أمره في اتخاذ الرأي بالمشاورة ، فقال (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٣) فأشركهم به في المشاورة وو حدّه في العزم.
وبهذا نعرف أن لإطاعة الرسول معنى ، ولإطاعة الله سبحانه معنى آخر ، وإن كان إطاعة الرسول إطاعة لله بالحقيقة لأن الله هو المشرع لوجوب إطاعته كما قال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (٤).
فعلى الناس أن يطيعوا الرسول فيما يبيّنه بالوحي ، وفيما يراه من الرأي. وأما أولو الأمر فهم وإن لم يكن لهم نصيب من الوحي التشريعي عدا الوحي التسديدي فإنهم يشاركون الرسول فيه بلا إشكال ، مع اشتراكهم معه في مجال الرأي والموضوعات الجزئية ، فلهم افتراض الطاعة نظير ما للرسول في رأيهم وقولهم ، ولذلك لما ذكر وجوب الرد والتسليم عند المشاجرة لم يذكرهم بل خصّ الله والرسول ، فقال : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) «وذلك أن المخاطبين بهذا الردّ هم المؤمنون المخاطبون بقوله في صدر الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) والتنازع إنّما هو تنازعهم بلا ريب ، ولا يجوز أن يفرض تنازعهم مع أولي الأمر مع افتراض طاعتهم بل هذا التنازع هو ما يقع بين المؤمنين أنفسهم ، وليس في أمر الرأي بل من حيث حكم الله في القضية
__________________
(١) سورة النحل : ٤٤.
(٢) سورة النساء : ١٠٥.
(٣) سورة آل عمران : ١٥٩.
(٤) سورة النساء : ٦٤.