وبتعبير آخر : «إن الله فرض طاعتهم على المؤمنين فإن أمروا بما يخالف الكتاب والسنّة فلا يجوز ذلك منهم ولا ينفذ حكمهم لقول رسول الله «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» وقد روى هذا المعنى الفريقان وبه يقيّد إطلاق الآية ، وأما الخطأ والغلط فإن علم به ردّ إلى الحق وهو حكم الكتاب والسنّة ، وإن احتمل خطأه نفذ فيه حكمه كما فيما علم عدم خطأه ، ولا بأس بوجوب القبول وافتراض الطاعة فيما يخالف الواقع هذا النوع لأن مصلحة حفظ الوحدة في الأمة وبقاء السؤدد والأبهة تتدارك بها هذه المخالفة ، ويعود إلى مثل ما تقرر في أصول الفقه من حجية الطرق الظاهرية مع بقاء الأحكام الواقعية على حالها ، وعند مخالفة مؤداها للواقع تتدارك المفسدة اللازمة بمصلحة الطريق» (١).
والجواب :
١ ـ من الممكن تقييد إطلاق الآية في صورة الفسق بما ذكر من قول النبيّ : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» وكما في قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) (٢) وكذا من الممكن بل الواقع أن يجعل شرعا نظير هذه الحجية الظاهرية المذكورة كفرض طاعة أمراء السرايا الذين كان ينصّبهم رسول الله ، وكذا الحكام الذين يولّيهم على البلاد كمكة واليمن أو يخلفهم بالمدينة إذا خرج إلى غزاة ، وكحجية قول الفقيه على مقلده ، ولكنه لا يوجب تقييد الآية ، فكون مسألة من المسائل صحيحة ـ في نفسه ـ أمرا على حدا ، وكونها مدلولا عليها بظاهر آية قرآنية أمرا آخر.
٢ ـ الآية المباركة دالة على وجوب إطاعة أولي الأمر ، بحيث لم تقيد مفهوم الإطاعة ، ولم تشترط فيه شرطا ، فيبقى الإطلاق منعقدا في الظهور بموجب مقدمات الحكمة أو الوضع ، هذا مضافا إلى أنه ليس في الآيات القرآنية الأخرى ما
__________________
(١) تفسير الميزان ج ٤ / ٣٩٠.
(٢) سورة الأعراف : ٢٨.