أن يتصل بهم أهل المعاصي ، ولذا استهلّ سبحانه الآيات بقوله (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) ضرورة أن هذا التمييز إنما هو للاتصال بالنبيّ وآله لا لذواتهنّ ، فهنّ في محل وأهل البيت في محل آخر ، فليست الآية الكريمة إلا كقول القائل : يا زوجة فلان لست كأزواج سائر الناس فتعففي وتستري وأطيعي الله تعالى ، إنّما زوجك من بيت أطهار يريد الله حفظهم من الأدناس وصونهم من النقائص (١).
٢ ـ إن الانتقال من خطاب النساء إلى أهل البيت مما اقتضته فصاحة القرآن الذي جرى على عرف عادة الفصحاء حيث يذهبون من خطاب إلى غيره ثم يعودون إليه ، وهكذا جرى القرآن على عادتهم فكان خطابه للنساء ثم لآل البيت ثم رجع بالخطاب إلى نساء النبيّ (٢).
فكأنّ موقع آية التطهير للتدليل على أن أسرة الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم منقسمة إلى قسمين :
قسم يراد منه الامتثال المؤكّد لأحكام الله تعالى ، والتأدب بالأخلاق والفضائل والمزايا الحميدة وما إلى ذلك ، لا لأجل ذواتهم ، بل لاتصالهم وانتسابهم بمن هو مثل رسول الله المنزّه عن كل وصمة أو عيب ، وهؤلاء هم الذين سمّاهم القرآن الكريم بنساء النبي ولم يضف حتّى بيوتهنّ إلى الرسول الأكرم بل أضافه إليهنّ بقوله (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَ) ولم يكن في جميع هذه الآيات المباركة أيّ تدليل على الاصطفاء أو التمييز أو الكرامة الخاصة على الله تعالى.
وقسم آخر من أسرة الرسول الكريم اصطفاهم الله تعالى وأراد لهم ـ بإرادته المحتومة ـ الطهارة من كل رجس ، والعصمة بأسمى معانيها ، وهؤلاء هم الذين ورد التعبير عنهم ب (أهل البيت) من دون وصف للبيت ولا إضافة ، كأنما هذا البيت
__________________
(١) دلائل الصدق ج ٢ / ٧٢ وإحقاق الحق ج ٢ / ٥٧٠.
(٢) مجمع البيان ج ٨ / ١٢٠.