وأما بناء على الرأي الآخر القائل بأن الآيات بهذا الترتيب الموجود بين أيدينا لم يكن بأمر النبي وإنما حصل عند التأليف بعد وفاة الرسول الأكرم فالأمر واضح حينئذ لا يحتاج إلى تعمق في الاستدلال حيث إنّ يد الدّس هي الأساس في وضع آية التطهير ضمن آيات الأزواج لصرف دلالة الآية عن مغزاها الحقيقي.
وآية التطهير الموضوعة ضمن آيات الأزواج هي تماما كآية الإكمال الموضوعة ضمن آيتي (١) تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وحلية هذه الأمور عند الاضطرار.
ولو سلّمنا بالرأي الأول فلا بدّ من توجيه الأمر إلى ما يناسب وضع الآية ضمن آيات الأزواج ، لذا ذكرت وجوه لذلك منها :
١ ـ أن يكون اختلاف آية التطهير مع ما قبلها على طريق الالتفات من الأزواج إلى النبي وأهل بيته ، بمعنى أن تأديب الأزواج وترغيبهنّ إلى الصلاح والسداد يكون أبلغ وآكد من حيث انتسابهنّ إلى أهل بيت الطهارة والعصمة ، وأن هذا النوع من الانتساب لا يضفي على الإنسان أي تمييز أو كرامة ما لم يقترن بالتقوى والإحسان كما قال تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ) وهذه التكاليف الموجّهة إليهن وإن كانت مشتركة بين جميع المكلفين إلّا أنها مؤكّدة بالنسبة إليهنّ ، فيجب عليهن أن يبالغن في امتثال أحكام الله تعالى ، ويحتطن في دين الله أكثر من سائر النساء ، لأنهنّ في بيت أذهب الله الرجس عن أهله وطهرهم تطهيرا ، لأن من اللائق أن يكون المنسوب إلى المعصوم عفيفا صالحا كما قال تعالى (وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) (٢).
وعليه فإن الله أمرهنّ ونهاهنّ وأدبهنّ إكراما لأهل البيت ، وتنزيها لهم عن أن تنالهم بسببهنّ وصمة ، وصونا لهم عن أن يلحقهم من أجلهنّ عيب ، ورفعا لهم عن
__________________
(١) لاحظ الآيات في سورة المائدة.
(٢) سورة النور : ٢٦.