مرتبط باختيارهم فعل الطاعة وترك المعصية ، فهم قادرون على فعل المعصية ولكنهم لا يفعلونها لعلمهم بعواقب المعاصي وآثارها السلبية ولأن ترك المعصية محبوب لدى المولى سبحانه.
قد يقال : كيف حصلوا على هذا العلم؟
والجواب : إن حصولهم عليه موهوبي من عند علّام الغيوب لعلمه سبحانه أنهم لن يعصوه في الدنيا ، فالمسألة مرتبطة بعلم الله الأزلي الذي لا يمكن أن يحده شيء على الإطلاق.
فسبق الإرادة التكوينية على أفعال العباد لا يستلزم سلب الاختيار عنهم ، لأن إرادته سبحانه إنما تتعلق بتوسط إرادة العبيد واختيارهم ، فهم إذا أرادوا لأنفسهم شيئا فالله سبحانه يريد ذلك الشيء لهم تكوينا.
ومعنى إرادته التكوينية بإذهاب الرجس هو أن الله تعالى عصمهم عن الذنوب والخطايا والغفلة والسهو والنسيان وكل ما ينفر عن قبول الدعوة ، والعصمة كما هو معلوم عبارة عن علم يقيني حباه الله تعالى لمن علم منه الطاعة والامتثال ، وهي بهذا المعنى لا تسلب صاحبها عن الاختيار ، بل يبقى قادرا على الفعل أو الترك ، ويختار الطاعة على المعصية بإرادته واختياره ، ومثال على ذلك :
قدرة الله تعالى على كل مقدور ومنه قدرته على فعل القبائح كقدرته على فعل الحسن ، غير أنه لا يصدر منه القبيح قط في زمن من الأزمان لأن «الصارف عن فعل القبيح موجود والداعي مفقود ، وكلّما وجد الصارف وانتفى الداعي امتنع الفعل» (١).
ولأجل أنه عزوجل لا يفعل القبيح نرى عمومية قدرته لكل شيء ، ومع هذا فإنه عزوجل لا يصدر منه القبيح ، إذ لو لم يقدر على القبيح لما صح قولنا : إنه على كل شيء قدير.
__________________
(١) انظر كتابنا : الفوائد البهية ج ١ / ٣١٠.