ذاتية ، ومواهب مكتسبة من الله تعالى نتيجة حبهم له وفنائهم في الله تعالى ، بحيث صار الإسلام بل التوحيد المطلق متجسّدا في سلوكهم ، ثم بحكم ما كانت لديهم من القدرات على أعمال إرادتهم وفق أحكامه التي استوعبوها علما وخبرة ، فقد صح له الإخبار عن ذاته المقدّسة بأنه لا يريد لهم بإرادته التكوينية إلّا إذهاب الرجس عنهم ، لأنه لا يفيض الوجود إلّا على هذا النوع من أفعالهم ما داموا هم لا يريدون لأنفسهم إلّا إذهاب الرجس والتطهير عنهم.
وبهذا يتضح معنى الاصطفاء والاختيار من قبله لبعض عبيده في أن يحملوا ثقل النهوض برسالته المقدّسة كما هو الشأن في الأولياء والأنبياء وأوصيائهم ، على أن الإشكال لو تمّ فهو جار في الأنبياء جميعا ، وثبوت العصمة لهم ـ ولو نسبيا ـ موضع اتفاق الجميع ، فما يجاب به هناك يجاب به هنا من دون فرق.
وبالجملة فإن تخصيص تعلق الإرادة بجمع خاص على الوجه الوارد في الآية ، يمنع من تفسير الإرادة بالإرادة التشريعية التي عمّت الأمة جميعا ، فعند ما شرّع الله سبحانه دساتيره إلى الناس لم يستثن أحدا منهم لأن الحكمة من التشريع إنما هي التطهير وإتمام النعمة كما في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ) (سورة المائدة : ٦) ثم علّله بقوله (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١).
فالتشريع يعمّ أهل البيت عليهمالسلام كغيرهم من المكلّفين لكن إرادته هنا تكوينية مختصة بهم.
٢ ـ إنّ تعلق إرادته عزوجل تكوينا بهم بإذهاب الرجس عن أهل البيت عليهمالسلام لا يعني أنهم صاروا مجبرين على فعل الطاعة والابتعاد عن المعصية مما يعني انتفاء صفة المدح والثناء عليهم ، بل إن تعلق إرادته بإذهاب الرجس عنهم
__________________
(١) سورة المائدة : ٦.