والجواب :
١ ـ إن نزول الآية الشريفة بتطهيرهم في ذاك الوقت ليس دليلا على أنهم لم يكونوا مطهّرين قبل نزولها وذلك لأن الآية في مقام المدح والثناء ، فإرادته تعالى التكوينية متحققة فيهم قبل نزول الآية لعلمه عزوجل بأنهم سيطيعونه حق طاعته ، فإرادته كما تعلقت فيهم لقربهم منه ، كذا تعلقت بتبيين الشرائع والأحكام والهداية بقوله تعالى :
(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) (١) (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) (٢).
فالله سبحانه طهّرهم قبل نزول الآية ولكنّه أراد إبراز وإظهار إرادته فيهم وأنها متحققة في كل آن وزمان من آنات أزمنتهم.
٢ ـ الإذهاب تارة يطلق ويراد منه إزالة الشيء عن المحل بعد ثبوته كما يقال : الماء يذهب القذارة والنجاسة.
وتارة يطلق ويراد منه دفع الشيء عن المحل قبل عروضه وإن كان ممكنا في حدّ ذاته لعروضه كقوله : أذهب الله عنك السوء والبلاء.
والإذهاب في الآية (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) بالمعنى الثاني أي دفع الرّجس عنهم قبل عروضه.
وبعبارة أخرى : إن هذه التراكيب كقوله تعالى (يُرِيدُ .. لِيُذْهِبَ .. يُطَهِّرَكُمْ) كما تستعمل في إذهاب الشيء الموجود كذلك تستعمل فيما لو لم يكن موجودا ، كما لو كانت هناك مقتضيات ومعدات له حسب الطبيعة الإنسانية وإن لم يكن
__________________
(١) الآيات في سورة النساء : ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٢٨.
(٢) سورة الحجرات : ١٧.