ولقد ظهر لك ـ أخي القارئ ـ من خلال الكلمات المتقدمة من علماء الرجال أن من رواه من الصحابة ما يناهز المائة وعشرة صحابي ، بل إن الحافظ السجستاني رواه عن مائة وعشرين صحابيا ، بل زاد عليه الحافظ أبي العلاء الهمداني حيث رواه بمائتي وخمسين طريقا. هذا عدا عن رواية التابعين ومن بعدهم في الأجيال المتأخرة ، فلن تجد فيما يؤثر عن رسول الله حديثا يبلغ هذا المبلغ من الثبوت واليقين والتواتر.
وقد أفرد شمس الدين الجزري رسالة في إثبات تواتره ونسب منكره إلى الجهل ، فهو كما مرّ عن الفقيه ضياء الدين المقبلي : إن لم يكن معلوما فما في الدين معلوم.
وعن الغزالي : أنه أجمع الجمهور على متنه ، وعن البدخشي أنه : حديث صحيح مشهور ولم يتكلم في صحته إلّا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله. وكما قال شمس الدين الجزري الشافعي : إنه صحيح من وجوه كثيرة تواتر عن أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ، وهو متواتر أيضا عن النبيّصلىاللهعليهوسلم رواه الجمّ الغفير عن الجم الغفير ، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم.
«لكن بين ثنايا العصبيّة ومن وراء ربوات الأحقاد حثالة حدى بهم الانحياز عن مولانا أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه إلى تعكير هذا الصفو وإقلاق تلك الطمأنينة بكل جلبة ولغط ، فمن منكر صحة صدور الحديث معللا بأن عليا أمير المؤمنين كان باليمن وما كان مع رسول الله في حجته تلك ، إلى آخر ينكر صحّة صدر الحديث ، إلى ثالث يضعّف ذيله ، ورابع يطعن في أصله.
وقد عرفت تواتر الجميع والاتفاق على صحته ونصوص العلماء على اعتبار هذه كلها ، غير آبهين بكل ما هناك من الصخب واللغب ، فالإجماع قد سبق المهملجين ولحقهم حتى لم يبق لهم في مستوى الاعتبار مقيلا» (١).
__________________
(١) الغدير ج ١ / ٣١٥.