المعاني فعلى أيّها حملت إمّا على كونه أولى كما ذهب إليه طائفة ، أو على كونه صديقا حميما فيكون معنى الحديث : من كنت أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإنّ عليّا منه كذلك. وهذا صريح في تخصيصه لعليّ عليهالسلام بهذه المنقبة العليّة وجعله لغيره كنفسه بالنسبة إلى من دخلت عليهم كلمة (من) التي هي للعموم بما لا يجعله لغيره.
وليعلم أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى في آية المباهلة : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (١) والمراد نفس عليّ على ما تقدّم فإن الله تعالى لمّا قرن بين نفس رسول الله وبين نفس عليّ وجمعهما بضمير مضاف إلى رسول الله أثبت رسول الله لنفس عليّ بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموما فإنّه أيّ النبيّ عليهالسلام أولى بالمؤمنين ، وناصر المؤمنين ، وسيّد المؤمنين ، وكل معنى أمكن إثباته مما دل عليه لفظ المولى لرسول الله فقد جعله لعليّ عليهالسلام وهي مرتبة سامية ومنزلة سامقة ودرجة عليّة ومكانة رفيعة خصّصه بها دون غيره ، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه.
(إلى أن قال) : ثم لم يزل يخصّصه بعد ذلك بخصائص من صفاته نظرا إلى ما ذكرناه حتى روى الحافظ أيضا في حليته ج ١ / ٦٧ بسنده عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله لأبي برزة وأنا أسمع : يا أبا برزة؟ إنّ الله عهد إليّ في عليّ بن أبي طالب : إنه راية الهدى ، ومنار الإيمان وإمام أوليائي ، ونور جميع من أطاعني ، يا أبا برزة؟ عليّ إمام المتقين ، من أحبّه أحبّني ، ومن أبغضه أبغضني فبشّره بذلك.
فإذا وضح لك هذا المستند ظهرت حكمة تخصّصه صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا بكثير من الصفات دون غيره وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
(٦) قال صدر الحفّاظ أبو عبد الله الكنجي الشافعيّ المتوفى ٦٥٨ ه في «كفاية الطالب» ص ٦٩ بعد ذكر قول رسول الله لعليّ : لو كنت مستخلفا أحدا لم
__________________
(١) سورة آل عمران : ٦١.