ذلك رغم تكاثر المشاغل وجمعي بين التصنيف والتدريس والنظر في شئون السائل والمستفهم ، وتشوّش بالبال بأمور أخر ربّي أعلم بأمرها ..
ومن جملة تلك الأمور أمر تقشعرّ له الأبدان كان سببا رابعا دافعا إلى هذا الأمر وهو اندثار مادة التاريخ من حوزاتنا العلميّة دون ما اكتراث لأهمية حوادث الماضي وأثرها فيما نحن فيه من تخبّط على الساحة اللبنانية الفاسدة .. ولنا أن نسأل أولئك ممّن دعوا إلى نبذ التاريخ الماضي تحت عنوان الاجتهاد (الذي لفقوه لأنفسهم زورا ، وأغلبه يرتكز على الظنون الشخصية والاستحسانات والأقيسة العامية) وبحجة التقريب بين المذاهب والأديان ؛ أوليس للتاريخ صلة وطيدة بالفقه الاستنباطي؟! .. ومتى كان الدّين منقسما على نفسه تنهشه ببراثنها وحوش كاسرة اقتطع كلّ منها قطعة يغتذي بلحمها وشحمها! .. فبعض شغل ذاته الرجسة بالإفتاء الأعوج .. وآخر بالتاريخ المزيّف .. وآخر بالاثنين معا وبأبشع طريقة!! .. فلهؤلاء أن يعلموا أنّ الدين واحد ولا فصل بين مراتبه .. وأنّ الحق لا يتجزأ .. وأنّ الزيف زائل والبرهان سيسطع من سماء الأطهار عليهمالسلام ليكون نورا به يهتدي من اهتدى وعنه يزيغ من فجر.
ويدخل في السبب السابق أمر خامس جهله أولئك السّوقة وهو كون التاريخ من دون إتقان علم الكلام والتمكّن منه وبالا على صاحبه يجرّ على الأمّة الويلات وعلى صاحبه غضب ربّ العباد ..
فلكون التاريخ لا يقوم له قوام دون التطعّم بمادة علم الكلام .. ولكون هذا الأمر لا يقوم إلّا على يد من له في الأمر دراية ولا يدرس إلّا على من ألقى الله الخشية في روعه .. كان لزاما عليّ ـ وأنا العبد القاصر ـ أن أظهر ما أمرت بحرمة كتمانه ففي الحديث : «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله» .. والله أعلم بالنيّات ..