أن عقد الإمامة الذي تتوقف عليه حياة الأمة ، لم يطرح في النصوص ـ حسبما زعم القوم ـ ولم تبيّن حدوده وشرائطه وسائر مسائله في حين لم يترك النبيّ بيان أحكام مسائل هي أدون بكثير من مسألة الخلافة؟!!
ثالثا : إنّ تنصيب بعض الصحابة للخلافة دون مشورة البقية يعدّ خرقا لنظرية الجمهور القائلة بأن «يد الله مع الجماعة» و «لا تجتمع أمتي على ضلالة» و «لا تجتمع أمتي على خطأ».
هذا مضافا إلى اعتراضات هائلة صدرت من نفس الصحابة على خلافة أبي بكر ، حتى إنّ الزبير ـ وكما يروي الدينوري ـ وقف في سقيفة بني ساعدة أمام المبايعين وقد اخترط سيفه ، وهو يقول : «لا أغمده حتى يبايع عليّ» فقال عمر : «عليكم الكلب» فأخذ سيفه من يده ، وضرب به الحجر فكسره (١).
وأيضا فإن الحباب بن منذر قد قام يوم السقيفة منتضيا سيفه قائلا : «أنا جذيلها المحكّك ، وعذيقها المرجّب ، أنا أبو شبل في عرينة الأسد ، يعزى إليّ الأسد ، فحامله عمر ، فضرب يده ، فندر السيف فأخذه ، ثم وثب على سعد بن عبادة ووثبوا على سعد أيضا وتتابع القوم على البيعة ، وبايع سعد ـ مكرها ـ وكانت فلتة كفلتات الجاهلية ، قام أبو بكر دونها ، وقال قائل حين أوطئ سعد : قتلتم سعدا ، فقال عمر : قتله الله ، إنه منافق ، واعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه» (٢).
ونحن نشك أن سعد بن عبادة بايعهم مكرها لشدة ما فعلوا به ، ولما رواه الطبري في رواية أخرى ، أن عمر بن الخطّاب قام على رأس سعد وقال : لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك فأخذ سعد بلحية عمر فقال والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ، فقال أبو بكر مهلا يا عمر الرّفق هاهنا أبلغ ،
__________________
(١) الإمامة والسياسة ص ٨ وتاريخ الطبري ج ٢ / ٤٤٥ ، ط / الأعلمي وشرح النهج ج ١ / ١٣٥ ط / الأعلمي ١٤١٥ ه.
(٢) تاريخ الطبري ج ٢ / ٤٥٩.