هل يعقل لإنسان كالنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم سيّد الحكماء ـ بالغضّ عن كونه نبيّا ـ أن يرتحل من عالم الوجود المادّي وهو يعلم أنّ النفوس بعد لم ترو أحشاؤها من معارف الإسلام ولم تتربّ على نضارة الخلق وطهارة الذات فيتركها بلا راع ومرشد وهي في أمسّ الحاجة إلى ذلك؟!
أو أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كما يقول العامّة ترك أمر تعيين الخليفة إلى الناس يختارونه عليهم قائدا.
هل يعقل ذلك حيث إنّ الناس الذين هم بحاجة إلى من يقوّمهم ويصلح شأنهم ويرشدهم إلى ما ينفعهم ويبعّدهم عمّا يضرّهم ، أمثل هؤلاء يعيّنون الإمام الراعي الحافظ لحدود الله تعالى المقيم لأحكامه المفسّر لكتابه ، المحلّ للمعضلات ، الطاهر ، المنزّه ، الأمين ، المؤمن؟. مثل هكذا شخص هل بمقدور الناس أن تطّلع عليه وعلى خفاياه ، فإذا انتخبوه صار مرهونا بانتخابهم له ، فإذا زاغ قوّموه وإذا أطاع أعانوه ، فصار بذلك الإمام مأموما والمأموم إماما ، وهذا قبيح لا يصدر من حكيم فضلا عن نبيّ.
لذا تعتقد الشيعة الإماميّة أنّ قيادة المسلمين المعبّر عنها ب «الخلافة» منوط أمرها بيده تعالى إذ هي منصب إلهي أو واسطة فيض بينه تعالى وبين عباده ، لأن منصب الخلافة أثر من آثار الإمامة ، فلا تفترق الإمامة عن النبوة إلا بالوحي التشريعيّ.
... ولو درست الظروف السياسية التي كانت سائدة في منطقة الجزيرة العربية ، لوجدت أنّ تلك الظروف كانت توجب على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يعيّن الخليفة قبل رحيله ، والسرّ في ذلك أنّ المنطقة يوم ذاك كانت مهدّدة بالسقوط أمام أضخم امبراطوريّتين ـ الفرس والروم ـ أكلتا الأخضر واليابس في جزيرة العرب ، عدا عن الأخطبوط الأكثر خطرا من امبراطورية الفرس والروم ، هذا الأخطبوط المتثمل بخطّ المنافقين المتغلغلين في أوساط المسلمين ، وهؤلاء