تعالى حالت دون جبروت المحرّفين فأبقت على عبارة اللعن في كتاب الملل والنحل للشهرستاني ، قال عند ذكر الاختلافات الواقعة في مرض النبي ، الخلاف الثاني أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : جهّزوا جيش أسامة لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة ، وقال قوم : يجب علينا امتثال أمره وأسامة قد برز من المدينة ، وقال قوم : قد اشتد مرض النبيّ فلا تسع قلوبنا لمفارقته والحال هذه فنصبر حتى نبصر أي شيء يكون من أمره» (١) فعدم خروجهم مع أسامة وتخلّفهم عنه مما لا نزاع فيه أصلا ، وأما دعوى أن تخلّفهم إنما كان لأجل محبتهم لرسول الله فلم تسع قلوبهم مفارقته ، هذه الدعوى مردودة لأن محبّة النبيّ تعني إطاعته فيما يأمر وينهى قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٢) وهذا تماما كعدم امتثالهم لأمره بإحضار الدواة والكتف ، وهل أن عدم إحضارهم لما أمرهم به النبيّ كان أيضا محبة منهم له؟!!
فتخلّفهم وعدم خروجهم يعتبر قدحا في خلافتهم لكونهم مأمورين بالانقياد لأسامة ، فما لم يمتثلوا لم يتم غرض الرسول في إنفاذ الجيش ، فلم يكن لأبي بكر الحكم على أسامة ، والخلافة رئاسة عامة تتضمن الحكم على الأمة كافة بالاتفاق فبطلت خلافة أبي بكر ، وإذا بطلت خلافته ثبت بطلان خلافة عمر ، لكونها بنص أبي بكر ، وبطلت خلافة عثمان لابتنائها على الشورى بأمر عمر ، هذا مضافا إلى أن عدم الانقياد لأمره بعد تكريره الأمر إيذاء له صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد قال الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (٣) (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤).
فتثاقلهم عن السير ثم تخلّفهم عن الجيش أخيرا من أجل أن يحكموا قواعد
__________________
(١) الملل والنحل للشهرستاني ص ٢٣.
(٢) سورة آل عمران : ٣١.
(٣) سورة الأحزاب : ٥٧.
(٤) سورة التوبة : ٦١.