سياستهم ويقيموا عمدها ترجيحا منهم لذلك على التعبد بالنص حيث رأوه أولى بالمحافظة وأحق بالرعاية ، إذ لا يفوت البعث بتثاقلهم عن السير ولا يتخلف من تخلّف منهم عن الجيش ، فلو انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم لانصرفت عنهم الخلافة لا محالة ، لذا أراد النبي أن تخلو منهم المدينة فيصفوا الأمر من بعده لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب على سكون وطمأنينة ، فإذا رجعوا قد أبرم عهد الخلافة وأحكم للإمام عليّ عليهالسلام عقدها كانوا عن المنازعة والخلاف أبعد لكونهم فطنوا إلى كل ما دبّره النبي فطعنوا في تأمير أسامة وتثاقلوا عن السير معه ، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبيّ بربه ، فهمّوا حينئذ بإلغاء البعث وحل اللواء تارة وبعزل أسامة أخرى ، ثم تخلّف كثير منهم عن الجيش إيثارا لرأيهم وترجيحا لاجتهادهم على التعبد بنصوصه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
«وبقي أسامة يراسلهم خارج المدينة فلا يلتفتون إليه حتى إذا استوى لهم الأمر ، فبعث أبو بكر إلى أسامة أن الناس نظروا في أمورهم فلم يجدوا غنى عني ، وقد نظرت في أمري فلم أجد عن عمر غنى فخلّفه عندي وامض في الوجه الذي أمرك به الرسول بالمضي فيه ، فكتب إليه أسامة : من الذي أذن لك في نفسك بالتخلّف عني حتى تطلب مني الإذن لغيرك إن كنت طائعا لله ولرسوله فارجع معسكرك ومركزك الذي أقامك فيه رسول الله ، فلم يزالوا يدارونه ويعدونه ويمنونه إلى أن أجاب وقبل منه وتركهم» (١).
شكّك بعض الصحابة بإمارة أسامة الفتى اليافع بحجة أنه صغير وهم مشايخ كبار ، فالمشكلة ليست في صغر سنه وإنما أرادوا استلام السلطة والحكم بعد رحيل النبي ، لذا لو كان ما يدّعون من صحبتهم لرسول الله فلم لم ينفذوا ما أمر به النبي ، ولما ذا لم يلتحقوا بالركب بعد وفاة النبي ، من هنا ذكر المؤرخون تخلّفهم عن الالتحاق وتشكيكهم بقيادة أسامة ، قال ابن الأثير :
«وقال من مع أسامة من الأنصار لعمر بن الخطاب إن أبا بكر خليفة رسول
__________________
(١) الاستغاثة ص ٢٧ ، ط / قم.