القيادة في الإسلام تماما كالرأس من الجسد وكالقلب من سائر الأعضاء (١) ؛
__________________
(١) ويعجبني ما ذكره هشام بن الحكم في محاورة له مع عمرو بن عبيد بشأن الإمامة ، فقد روى يونس بن يعقوب قال : كان عند أبي عبد الله عليهالسلام جماعة من أصحابه فيهم حمران بن أعين ومؤمن الطاق وهشام بن سالم والطّيار ، وجماعة من أصحابه ، فيهم هشام بن الحكم وهو شاب ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : يا هشام!
قال : لبّيك يا ابن رسول الله!
قال عليهالسلام : ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟
قال هشام : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، إني أجلّك وأستحييك ، ولا يعمل لساني بين يديك.
فقال أبو عبد الله عليهالسلام : إذا أمرتكم بشيء ، فافعلوه!
قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد ، وجلوسه في مسجد البصرة ، وعظم ذلك عليّ ، فخرجت إليه ، ودخلت البصرة يوم الجمعة وأتيت مسجد البصرة ، فإذا أنا بحلقة كبيرة ، وإذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتزر بها من صوف وشملة مرتد بها ، والناس يسألونه ، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتيّ ، ثم قلت :
أيها العالم أنا رجل غريب ، أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟
قال : اسأل!
قلت له : ألك عين؟ ، قال : يا بنيّ أي شيء هذا من السؤال إذا كيف تسأل عنه؟ ، فقلت : هذه مسألتي ، فقال : يا بني! سل وإن كانت مسألتك حمقى ، قلت : أجبني فيها ، قال : فقال لي : سل! فقلت : ألك عين؟ قال : نعم ، قال : قلت : فما تصنع بها؟ قال : أرى بها الألوان والأشخاص ، قال : قلت : ألك أنف؟ قال : نعم ، قال : قلت : فما تصنع به؟ قال ؛ أشمّ به الرائحة ، قال ؛ قلت : ألك لسان؟ قال : نعم ، قال : قلت : فما تصنع به؟ قال : أتكلم به ، قال : قلت : ألك أذن؟ قال : نعم ، قال : فما تصنع بها؟ قال : أسمع بها الأصوات ، قال : قلت : ألك يدان؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بهما؟ قال : أبطش بهما ، وأعرف بهما اللين من الخشن ، قال : ألك رجلان؟ قال : نعم ، قال : قلت : فما تصنع بهما؟ قال : أنتقل بهما من مكان إلى مكان ، قال : قلت : ألك فم؟ قال : نعم ، قال ؛ قلت : فما تصنع به؟ قال : أعرف به المطاعم والمشارب على اختلافها ، قال : قلت : ألك قلب؟ قال : نعم ، قال ؛ قلت : فما تصنع به؟ قال : أميّز به كلما ورد على هذه الجوارح ، قال : قلت : أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال : لا ، قلت : وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة؟ قال : يا بني إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته ، ردّته إلى القلب ، فتيقن بها اليقين ، وأبطل الشكّ.
قال : فقلت : فإنما أقام الله عزوجل القلب لشكّ الجوارح؟ قال : نعم ، قلت : لا بدّ من القلب وإلّا لم يستيقن الجوارح ، قال : نعم ، قلت :
يا أبا مروان! إنّ الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها إماما ، يصحّح لها الصحيح ، ـ