أساس الحكم ليس الشورى. وأما آية (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران : ١٥٩]. فليس فيها أيّة دلالة على مدّعى العامة (القائلين بأنّ الله تعالى يأمر نبيّه أن يشاور من حوله تعليما للأمّة كي تتشاور في مهامّ أمورها ، ومنها الخلافة التي ثبتت بواسطة جماعة تشاوروا وانتخبوا أبا بكر) وذلك لأمرين :
* الأوّل :
إنّ الاستدلال بها على انتخاب الخليفة سببه الغفلة عن موردها ، إذ إنّ الخطاب فيها موجّه إلى الحكّام والولاة بالنظر الثانويّ كي لا يتفرّدوا بآرائهم بل عليهم الانتفاع بآراء رعيتهم توصّلا إلى أحسن النتائج ، وهذا لا يمتّ إلى تعيين الخليفة بصلة ، وذلك لأنه سبحانه يأمر النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم بعد المشاورة بالتوكّل عند العزم وأنّ له الرأي النهائي والأخير في الموضوعات المرتبطة والمتعلقة بهم ، وهل هناك أرجح عقلا من رسول الله حتى يستشيره المسلمون آنذاك؟ فمورد الآية الشريفة هو ما قلنا ولا علاقة له بأمر تعيين الخليفة إذ ليس فيه شيء من الانتخاب أو المشورة ، لأن تنصيبه منحصر به تعالى لا سبيل للبشر إليه تماما كتعيينه للأنبياء والمرسلين لا دخل للناس فيه.
* وثانيا :
إنّ «الأمر» في الآية وإن كان مطلقا إلّا أنّه أضيف إلى الناس في قوله تعالى : (وَأَمْرُهُمْ شُورى ...) أي الأمر المنسوب إلى الناس لا إلى الله تعالى ولو سلّمنا الإطلاق فإنه قابل للتقييد بقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة : ١٢٤]. فالله سبحانه هو الذي جعل إبراهيم إماما وليس الناس. وكذلك قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠]. (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤]. وحيث إنّ الإمامة عهد الله فلا يناله ظالم لأنّ العهد إذا أضيف إليه تعالى يتعيّن أن يكون الخليفة أو الإمام بأمره تعالى فقط.