شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره ، لأنه خشي أن يكتب (صلى الله عليه) أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها ، فقال عمر : حسبنا كتاب الله لقوله تعالى (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وقوله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه.
ثم حكى عن البيهقي أنه قال : وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم أنه (صلى الله عليه) أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر ثم ترك ذلك اعتمادا على ما علمه من تقدير الله ذلك ، كما همّ بالكتاب في أول مرضه حين قال : وا رأساه ثم ترك الكتاب ، وقال : يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ثم نبّه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه إياه في الصلاة.
ثم قال : وإن كان المراد بيان أحكام الدين ورفع الخلاف فيها فقد علم عمر حصول ذلك لقوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وعلم أنه لا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي الكتاب أو السنة بيانها نصا أو دلالة ، وفي تكلف النبي في مرضه مع شدة وجعه كتابة ذلك مشقة ، ورأى عمر الاقتصار على ما سبق بيانه إياه نصا أو دلالة تخفيفا عليه ..» (١).
وقال الخطابي :
«ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحال ، لكنّه لما رأى ما غلب على رسول الله من الوجع وقرب الوفاة مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه فيجد المنافقون بذلك سبيلا إلى الكلام في الدين ، وقد كان أصحابه يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم كما راجعوه يوم
__________________
(١) شرح النّووي على صحيح مسلم ج ١١ / ٧٦ باب ٥ كتاب الوصية.