١ ـ إن دعواه تلك تستلزم أن يكون عمر بن الخطاب أفقه وأعلم من رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم لأن النبيّ أراد أن يكتب فمنعه عمر لمصلحة الإشفاق على الأمة ، وهذا هو الفسق بعينه والخروج عن ربقة الإيمان ، لأن هذا الكلام يعدّ ردا على الله عزوجل القائل :
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (١).
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٢).
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٣).
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (٤).
٢ ـ إن دعوى النّووي تلك تجيز الناس منع الرسول عن تبليغ الأحكام ، وكان الأحرى أن لا يبعث الله الرسل إلى الخلق ويكلّفهم بالتكاليف الشاقة واحتمال العذاب في تبليغ الأحكام ، ويترك الناس حتى يجتهدوا فيحصلوا على الأجر نتيجة اجتهادهم ، وهذا خلاف ما قامت عليه الضرورة وشهد به الوجدان من أن الاجتهاد متعسر على عامة الأفراد ، وعليه فإن تعذّر الاجتهاد وتعسّر على عامة الأفراد فلا أجر حينئذ لكونه ـ أي الأجر ـ يدور مدار الاجتهاد ، وهذا عكس ما دلت عليه النصوص القرآنية والنبوية من أن الأجر على النية الحسنة والعمل الصالح.
هذا مضافا إلى أن تحمّل النبيّ للمشاق في هداية الأمة أعظم وأشد من تسطير الكتاب الذي لم يكن مبدأه ، فكيف لم يشفق عمر على النبيّ في شيء من
__________________
(١) سورة المائدة : ٤٤.
(٢) سورة النساء : ٦٥.
(٣) سورة النساء : ٨٠.
(٤) سورة النساء : ١١٥.