الأدلة العقلية والنقلية على عصمتهم وجلالة قدرهم عمّا يظنون بهم ، ولا يرضون بمثله في عمر بن الخطّاب ، مع عدم الدليل على عصمته ، واشتمال كتبهم ورواياتهم على جرائره ، ولو جانبوا الاعتساف لم يجعلوه أجلّ قدرا من أنبياء الله.
ثانيا : إن الطعن ليس مقصورا على سوء الأدب والتعبير بالعبارة الشنيعة ، بل به وبالردّ لقول الرسول والإنكار عليه ، وهو في معنى الردّ على الله عزوجل والشرك به ، وإن كان أحسن الألفاظ وأطيب العبارات.
وأما قصة صلح الحديبية (١) التي أشار إليها ابن أبي الحديد وغيره من الرواة فليس الطعن فيها بلفظ يشتمل على سوء الأدب حتى يجري فيه تأويل ، بل بالإنكار لقول الرسول وعدم تصديقه بعد قوله : «أنا رسول الله أفعل ما يأمرني به ولن يضيّعني» وهو إما تكذيب صريح للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لو لم يصدّقه في قوله ذلك ، أو تقبيح صريح لما قضى الله به لو صدّق الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم.
روى مسلم في كتاب الجهاد والسير عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل ، قال : قامسهل بن حنيف يوم صفّين فقال : أيّها الناس! اتّهموا أنفسكم ، لقد كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الحديبية ، ولو نرى قتالا لقاتلنا ، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله والمشركين ، فجاء عمر بن الخطّاب ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى ، قال : ففيم نعطي الدّنية في ديننا ، ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال : يا ابن الخطّاب! إني رسول الله ولن يضيّعني الله أبدا. قال : فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا ، فأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال : فعلام نعطي الدّنية في ديننا ، نرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟
__________________
(١) رواها البخاري في الصحيح ج ٣ / ٢٤٤ ح ٢٧٣١ و ٢٧٣٢ باب الشروط في الجهاد ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١٢ / ٢٣٢ باب سيرة عمر ، وتاريخ الطبري ج ٢ / ٢٨٠ ومجمع البيان ج ٩ / ١١٠ والمجلسي في بحار الأنوار وغيرهم من المؤرخين.