أما احتمال أن يكون قوله رواية عن النبيّ فلا يساعد عليه نسبة التحريم ، والنهي إلى نفسه في كثير من الروايات ، على أنه إذا كان رواية ، كانت معارضة بما تقدم من الروايات الدالة على بقاء إباحة المتعة إلى مدة غير يسيرة من خلافة عمر ، وأين كان عمر أيام خلافة أبي بكر؟ وهلّا أظهر روايته لأبي بكر ولسائر المسلمين؟ على أن رواية عمر خبر واحد لا يثبت به النسخ.
وأمّا احتمال أن يكون قول عمر هذا اجتهادا منه بتحريم النبيّ نكاح المتعة فهو أيضا لا معنى له بعد شهادة جماعة من الصحابة إباحته في زمان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى وفاته. على أنّ اجتهاده هذا لا يجدي غيره ممن لم يؤمر باتباع اجتهاده ورأيه ، بل وهذان الاحتمالان مخالفان لتصريح عمر في خطبته : «متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما».
وإذن فقد انحصر الأمر في أنّ التحريم كان اجتهادا منه على خلاف قول رسول الله بالإباحة ، ولأجل ذلك لم تتبعه الأمة في تحريمه متعة الحجّ وفي ثبوت الحدّ في نكاح المتعة ، فإن اللازم على المسلم أن يتبع قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأن يرفض كل اجتهاد يكون على خلافه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (١).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما أحللت إلا ما أحلّ الله ، ولا حرّمت إلّا ما حرّم الله»(٢). وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه ـ فمه ـ إلا حق» (٣). ومع هذا كله فقد قال القوشجي في الاعتذار عن تحريم عمر المتعة خلافا لرسول الله وأجيب : «بأنّ ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه ، فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع» (٤).
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٦.
(٢) طبقات ابن سعد ج ٤ / ٧٢ ، ط / مصر.
(٣) رواه أبو داود ـ التاج ج ١ / ٦٦.
(٤) شرح التجريد ، مبحث الإمامة ، والبيان في تفسير القرآن ص ٣٢٩ والغدير ج ٦ / ٢٣٨.