ضعف الشبهة إنما يكون من ضعف الفكرة (١) وقلة التأمل والبصيرة؟! وكيف لم يوقن بموته لمّا رأى ما عليه أهل الإسلام من اعتقاد موته ، وما ركبهم من الحزن والكآبة لفقده؟! وهلّا دفع بهذا اليقين ذلك التأويل البعيد ، فلم يحتج إلى موقف ومعرّف! وقد كان يجب ـ إن كانت هذه شبهة ـ أن يقول في حال مرض رسول الله وقد رأى جزع أهله وأصحابه وخوفهم عليه من الوفاة ، حتى يقول أسامة بن زيد معتذرا من تباطئه عن الخروج في الجيش الذي كان رسول الله يكرّر ويردد الأمر حينئذ بتنفيذه : لم أكن لأسأل عنك الركب ، ما هذا الجزع والهلع ، وقد أمنكم الله من موته بكذا وفي وجه كذا ، وليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لا يعرفها على ما ظنه صاحب الكتاب] (٢).
كما أورد المحدّث الجليل الشيخ محمد باقر المجلسي «أعلى الله مقامه الشريف» على قاضي القضاة بالقول :
«وأعجب من قول عمر قول من يتوجه لتوجيه كلامه ، وأيّ أمر أفحش من إنكار مثل هذا الأمر عن مثل عمر ، مع اطّلاعه على مرض النبيّ منذ حدث إلى أوان اشتداده ، وانتهاء حاله حيث إلى حيث انتهى ، وكانت ابنته زوجة النبيّ من ممرضاته ، وقد رجع عن جيش أسامة بعد أمر النبيّ له بالخروج بالخارجين ، خوفا من أن تحضره الوفاة ، فينقل الأمر إلى من لا تطيب نفسه به.
وكان النبيّ قد بيّن للناس في مجالس عديدة دنو أجله ، وحضور موته ، وأوصى للأنصار ، وأمر الناس باستيفاء حقوقهم كما هو دأب من حضره الموت ، كما روي مفصلا في صحيح البخاري ومسلم والترمذي وجامع الأصول وكامل ابن الأثير وغيرها من كتب السير والأخبار.
من هذه الأخبار ما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أنه قال : قام
__________________
(١) في نسخة البحار : «الفطرة».
(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٢ / ٣٢١ والبحار ج ٣١ / ١٠٧ والشافي ج ٤ / ١٧٦.