فيولّيها أحدهما الآخر ، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني (١).
ونلاحظ في هذا النص أن هؤلاء الستة الذين اختارهم عمر للشورى من أهل الرضى عند الله ورسوله بدليل قول عمر : إن النبيّ قبض وهو عنهم راض. وفي نفس الوقت نجد نصا آخر يناقض عمر نفسه به حيث ينسب إلى هؤلاء ما يوجب سخط الله عليهم ، فقد نقل لنا ابن أبي الحديد صورة الواقعة ، فقال :
إن عمر لمّا طعنه أبو لؤلؤة ، وعلم أنه ميّت ، استشار فيمن يولّيه الأمر بعده ، فأشير عليه بابنه عبد الله ، فقال : لاها الله إذا! ثم قال : إن رسول الله مات وهو راض عن الستة من قريش : عليّ وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم ، ثم قال : إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني ـ يعني أبا بكر ـ وإن أترك فقد ترك من هو خير مني ـ يعني رسول الله ـ ثم قال : ادعوهم لي ، فدعوهم فدخلوا عليه ، وهو ملقى على فراشه يجود بنفسه.
فنظر إليهم ، فقال : أكلّكم يطمع في الخلافة بعدي! فوجموا ، فقال لهم ثانية ، فأجابه الزبير وقال : وما الذي يبعدنا منها؟ وليتها أنت فقمت بها ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة.
فقال عمر : أفلا أخبركم عن أنفسكم! قال : قل ، فإنّا لو استعفيناك لم تعفنا ، فقال : أما أنت يا زبير فوعق لقس (٢) ، مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوما إنسان ، ويوما شيطان ، ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير! أفرأيت إن أفضت إليك! فليت شعري ، من يكون للناس يوم تكون شيطانا ، ومن يكون يوم تغضب! وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة ، وأنت على هذه الصفة.
__________________
(١) الكامل في التاريخ ج ٣ / ٦٦ قصة الشورى ، وتاريخ الطبري ج ٣ / ٢٩٢ حوادث عام ٢٣ ه.
(٢) المتغير المزاج.