ثم أقبل على طلحة ـ وكان له مبغضا منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر ـ فقال له : أقول أم أسكت؟ قال ؛ قل ، فإنك لا تقول من الخير شيئا ، قال : أما إني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد ، والبأو (١) الذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب.
قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ : الكلمة المذكورة أن طلحة لما أنزلت آية الحجاب ، قال طلحة : ما الذي يغنيه حجابهنّ اليوم! وسيموت غدا ـ أي رسول الله ـ فننكحهنّ. قال أبو عثمان : لو قال لعمر قائل : أنت قلت : إن رسول الله مات وهو راض عن الستة ، فكيف تقول الآن لطلحة أنه مات عليهالسلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها! لكان قد رماه بمشاقصه ، ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا ، فكيف هذا؟.
قال : ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص فقال : إنما أنت صاحب مقنب (٢) من هذه المقانب ، تقابل به ، صاحب قنص وقوس وأسهم ، وما زهرة (٣) والخلافة وأمور الناس.
ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال : وأما أنت يا عبد الرحمن ، فلو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به ، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك ، وما زهرة وهذا الأمر!
ثم أقبل على الإمام عليّ عليهالسلام فقال : لله أنت لو لا دعابة فيك! أما والله لئن وليتهم لتحملنّهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء.
ثم أقبل على عثمان فقال : هيها إليك! كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك ، فحملت بني أمية وبني معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء ،
__________________
(١) الكبرياء والأنفة.
(٢) أي صاحب خيل.
(٣) زهرة : اسم قبيلة ، كان سعد منها.