فقام عمر فقال :
هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إنه والله لا يرضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم ، وأولو الأمر منهم ، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين ، من ينازعنا سلطان محمّد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلّا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة فردّ عليه الحباب بن المنذر فقال :
يا معشر الأنصار : املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتم فأجلوهم عن بلادكم ، وتولوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم والله أولى بهذا الأمر منهم ، فإنه دان لهذا الأمر ما لم يكن يدين له بأسيافنا ، أما والله إن شئتم لنعيدنها جذعة ، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ، والله لا يردّ عليّ أحد ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف.
قال عمر بن الخطّاب : فلما كان الحباب هو الذي يجيبني ، لم يكن لي معه كلام لأنه كان بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله فنهاني عنه.
ثم قام أبو عبيدة فقال :
يا معشر الأنصار أنتم أول من نصر وآوى ، فلا تكونوا أول من يبدّل ويغيّر (١).
ثم تكلّم بشير بن سعد فقال :
يا معشر الأنصار ، أما والله لئن كنّا أولى الفضيلة في جهاد المشركين ، والسابقة في الدين ، ما أردنا إن شاء الله غير رضا ربنا وطاعة نبينا والكرم لأنفسنا ، وما ينبغي أن نستطيل بذلك على الناس ولا نبتغي به عوضا من الدنيا فإن الله ولي
__________________
(١) الإمامة والسياسة ص ٢٢ ـ ٢٥ وتاريخ الطبري ج ٢ / ٤٤٦ وشرح النهج ج ٣ / ١٧٧.