لم يل أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا أقاربه ، أما اولئك فكانوا منشغلين بمجالدة الناس وقهرهم على البيعة ، لذا قال ابن أبي الحديد : «وعمر هو الذي شيّد بيعة أبي بكر ووقم (١) المخالفين فيها ، فكسر سيف الزبير لمّا جرّده ، ودفع في صدر المقداد ، ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة ، وقال : اقتلوا سعدا ، قتل الله سعدا! وحطّم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكّك ، وعذيقها المرجّب ، وتوعّد من لجأ إلى دار فاطمة عليهاالسلام من الهاشميين ، وأخرجهم منها ، ولو لاه لم يثبت لأبي بكر أمر ، ولا قامت له قائمة» (٢).
وعن البراء بن عازب قال :
«لم أزل لبني هاشم محبّا ، فلمّا قبض رسول الله خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر منهم ، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول ، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله ، فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحجرة وأتفقّد وجوه قريش ، فإني كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر ، وإذ قائل يقول :
القوم في سقيفة بن ساعدة ، وإذ قائل آخر يقول : قد بويع أبو بكر ، فلم ألبث ، وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرّون بأحد إلّا خبطوه ، وقدّموه فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء أو أبى ، فأنكرت عقلي ، وخرجت اشتدّ حتى انتهيت إلى بني هاشم ، والباب مغلق ، فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا ، وقلت : قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة ، فقال العبّاس : تربت أيديكم إلى آخر الدهر ، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني ، فمكثت أكابد ما في نفسي ، ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعمّارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.
وبلغ ذلك أبا بكر وعمر ، فأرسلا إلى عبيدة وإلى المغيرة بن شعبة ،
__________________
(١) وقم المخالفين : أي أذلهم.
(٢) شرح النهج ج ١ / ١٣٥ فصل نبذة من أخبار عمر بن الخطّاب.