فسألاهما عن الرأي ، فقال المغيرة : الرأي أن تلقوا العبّاس فتجعلوا له ولولده في هذه الإمرة نصيبا ، ليقطعوا بذلك ناحية الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام. فانطلق أبو بكر وعمر وعبيدة والمغيرة ، حتى دخلوا على العبّاس ، وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله ، فقام أبو بكر خطيبا فقال :
إن الله ابتعث لكم محمّدا نبيّا ، وللمؤمنين وليّا ، فمنّ الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم ، حتى اختار له ما عنده ، فخلّى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين عير مختلفين ، فاختاروني عليهم واليا ، ولأمورهم راعيا ، فتوليت ذلك وما أخاف بعون الله وتسديده وهنا ولا حيرة ولا جبنا ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، وما أنفكّ يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين ، يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع ، وخطبه البديع ، فإمّا دخلتم فيما دخل فيه الناس أو صرفتموهم عمّا مالوا إليه ، فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا ولمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عمّ رسول الله وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله ومكان أهلك ، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم وعلى رسلكم بني هاشم ، فإن رسول الله منّا ومنكم.
فاعترض عمر كلامه ، وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته ، فقال : أي والله ، إنا لم نأتكم حاجة إليكم ، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم ولعامّتهم ثم سكت.
فتكلم العبّاس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
إن الله ابتعث محمدا نبيّا كما وصفت ووليّا للمؤمنين ، فمنّ الله به على أمته حتى اختار له ما عنده ، فخلّى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق مائلين عن زيغ الهوى ، فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ، ما تقدّمنا في أمركم فرطا ، ولا حللنا وسطا ، ولا نزحنا شحطا ، فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين ، وما أبعد