أن يسايرها ، أم أنها مسألة مبدئية لا يساوم أو يهادن عليها الإمام عليهالسلام؟!
إن عدم امتثال أمير المؤمنين للبيعة ـ كما قلنا ـ ليست مسألة شخصية يمكن أن يتنازل عنها الإمام علي عليهالسلام للقوم ، إنها مسألة الخلافة الربانية التي وهبها الباري له ، فلا يحق له أن يحبي الآخرين بها.
ومنها : أن الإمام عليّا عليهالسلام جابه الشيخين في مسجد النبيّ وأمام حشد من المسلمين الخانعين ، بعد أن اقتادوه إلى أبي بكر ليبايع قهرا ، فقال :
«أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقيل له : بايع أبا بكر ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي ، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا؟
ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم (١) لمّا كان محمّد منكم ، فأعطوكم المقادة ، وسلموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار نحن أولى برسول الله حيا وميّتا فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلّا فبئوا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال له عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع ، فقال له الإمام عليّ : احلب حلبا لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا. ثم قال :
والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.
فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك ، فقال أبو عبيدة بن الجراح لعليّ كرم الله وجهه : يا بن عمّ إنّك حديث السن (٢) وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك
__________________
(١) لقد قالها الشيخان في خطبتيهما أمام بعض الأنصار والمهاجرين في السقيفة ، لاحظ : تاريخ الطبري ج ٢ / ٤٥٧ ، والإمامة والسياسة ص ٢٥ وتاريخ ابن الأثير ج ٢ / ٣٣٠.
(٢) قد قال الشيخان نفس مقالة أبي عبيدة ، حينما أمرهما النبيّ بالالتحاق بجيش أسامة فقالا : يستعمل هذا الغلام على جلّة المهاجرين والأنصار! فغضب الرسول لما سمع ذلك وخرج عاصبا رأسه ، فصعد المنبر وقال : ما مقالة بلغتني عن بعضكم تأمير أسامة ، لئن طعنتم في تأميري ـ