مثل تجربتهم ، ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك ، وأشد احتمالا واضطلاعا به ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء ، فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق ، في فضلك ودينك ، وعلمك وفهمك ، وسابقتك ونسبك وصهرك ، فقال عليّ كرّم الله وجهه :
الله الله يا معشر المهاجرين ، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته ، إلى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فو الله يا معشر المهاجرين ، لنحن أحق الناس به ، لأنّا أهل البيت ، ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعية ، المدافع عنهم الأمور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية ، والله إنه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله ، فتزدادوا من الحق بعدا.
فقال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلف عليك اثنان ، قال : وخرج عليّ كرّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول عليّ كرّم الله وجهه : أفكنت أدع رسول الله في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟!
فقالت فاطمة عليهاالسلام : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم (١).
وروى الشهرستاني عن النّظام المعتزلي أن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : احرقوا دارها بمن فيها ، وما كان
__________________
ـ في أسامة ، فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ، وايم الله إن كان لخليقا بالإمارة ، وأن ابنه من بعده لخليق بها ، وأنهما لمن أحبّ الناس إليّ فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم ، انظر : شرح النهج ج ١ / ١٢٥.
(١) تاريخ الخلفاء المسمى بالإمامة والسياسة لابن قتيبة ص ٢٨ ـ ٣٠.