إذا لم يحرص عليها يوما قط ، ولا سألها الله تعالى في سر وعلانية ، فلم لم يسلّمها للأعلم والأشجع والأتقى أعني الإمام عليا الذي بايعه أبو بكر نفسه في غدير خم وقال له : بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وورد حديث «الفلتة» بألفاظ أخر منها : ما رواه بعض المؤرخين :
أن عمر صعد المنبر فذكر آية الرجم وقال : إن الله عزوجل بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب ، وكان فيما أنزل آية الرجم .. وإني خشيت أن يطول بالناس زمان فيقول قائل والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، وقد كنا نقول : «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم» ، ثم أنه بلغني أن قائلا منكم يقول : لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلانا ، فلا يغرّنّ امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها (١).
وفي لفظ آخر قال عمر :
«إلا أن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، فأيما رجل بايع رجلا من غير مشورة المسلمين فإنهما تغرّا ـ أي غرّرا بنفسيهما ـ يجب أن يقتلا»(٢).
نعم إن بيعة أبي بكر فلتة من فلتات التاريخ الأسود ، إذ كيف لا تكون فلتة وليس في هذه الأمة من تقطع إليه الأعناق مثل مولى المؤمنين علي بن أبي طالب كيف يقاس الذنب بالرأس والظلمة بالنور؟! يا للعار والفضيحة أن يقاس الإمام علي بأبي بكر وأمثاله ، من هنا عبّر أبو بكر عن حقيقة جوهره فقال :
«أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم» (٣).
__________________
(١) تاريخ الطبري ج ٢ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦ وتاريخ ابن الأثير ج ٢ / ٣٢٧.
(٢) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ٢٤ وشرح التجريد للقوشجي ص ٣٧١ حجري ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٦٧ ، والغدير للأميني ج ٧ / ٧٩ وج ٥ / ٣٧٠.
(٣) شرح التجريد للقوشجي ص ٣٧١ ط / حجري ، وشرح النهج ج ١ / ١٣١ دون لفظ «علي».