وإذا تجاوزنا كل ذلك ، نلاحظ أن النبي كان أحيانا يصدر تعليمات خاصة في كثير من الأمور البسيطة العادية في الحياة اليومية ، فكيف يمكن أن يهمل قضية كقضية الخلافة والإمامة ولا يضع لها منهاجا خاصا؟!
فحياة النبيّ الأكرم زاخرة بالشواهد الحيّة على مدّعى الشيعة ، حيث إنه لم يترك المدينة يوما ما إلّا بعد أن يعيّن من يقوم مقامه فيها ، فكيف يترك الدنيا من غير أن يعيّن أحدا من بعده يخلفه على أمته ، وهو يعلم أن عدم الاستخلاف سيؤدي إلى إراقة الدماء ، وما لا تحمد عقباه؟!!
لا يشك ذو مسكة أن عدم تعيين الخليفة ، ينطوي على أخطار كبيرة على الإسلام اليافع ، وإنّ العقل والمنطق يحكمان بأن أمرا كهذا يستحيل صدوره عن نبيّ الإسلام.
وما قيل ـ والقائل هم العامة ـ من أن رسول الله عهد بذلك إلى الأمة ، عليهم أن يبيّنوا أدلتهم من الكتاب والسنّة والعقل ، وأن النبيّ صرّح بذلك علانية ، ولكن ليس ثمة دليل ـ عندهم ـ من هذا القبيل.
أما ما ادعوه من أن النبيّ أوكل الأمر إلى الأمة تنتخب الخليفة ولم يعيّن بنفسه أحدا ، فدونه خرط القتاد ، وذلك :
لأن الإجماع لم يتحقق على خلافة أبي بكر ، لأن معنى الإجماع هو أن يتفق المسلمون على أمر ما ، وحيث إن إجماعا كهذا لم يحصل عند انتخاب أبي بكر ، اللهم إلا ما حصل عند اجتماع عدد من الصحابة في المدينة ، فانتخبوا أبا بكر ، مع أن سائر المسلمين في سائر بلاد الإسلام لم يشاركوا مطلقا في هذا الاجتماع ولا في الإدلاء بآرائهم ، بل كان الكثيرون في المدينة نفسها كالإمام أمير المؤمنين وسيّد الموحدين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وبني هاشم وثلة من الصحابة الأجلّاء أمثال سلمان وأبي ذر وعمّار والمقداد لم يحضروا ذلك الاجتماع الخطير ، بل كانوا ضده ، وعليه ، فإنّ اجتماعا كهذا لا يمكن قبوله.