وليس معنى الوجوب هنا ، أن أحدا يأمره بذلك ـ كما ربما يتصور ـ فيجب أن يطيع ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك : إنه واجب الوجود «أي اللزوم واستحالة الانفكاك». فكل ما كان له علاقة بما يبعّد الناس عن المعصية ، وما يقرّبهم من الطاعة ، يجب بضرورة العقل أن يوجده لأنه محصّل لغرضه وهو طاعتهم له وانقيادهم له ، ولو لم يوجده لناقض غرضه ، إذ كيف يأمرهم بطاعته ثم لا يحقق لهم الفرص التي تمكّنهم منها.
ووجوب اللطف لا يختص بالأنبياء والمرسلين ، بل يشمل الأوصياء والأولياء المنصوبين والمبعوثين ـ تماما كالأنبياء والرسل ـ من قبل الله تعالى ، لأن مهام هؤلاء كمهام اولئك بمناط واحد ، لا يختلفون عن بعضهم البعض إلّا في تلقي الوحي التشريعي ، وبحسب قاعدة اللطف وجب كون الإمام معصوما ، وغير الإمام علي عليهالسلام من الثلاثة المتقدمين عليه لم يكن أحد منهم معصوما بالإجماع بين الفريقين ، فيتعين كونه عليهالسلام هو الخليفة الحق (١).
وبعبارة أخرى : لمّا اقتضى اللطف الإلهي أن يصطفي الله سبحانه الأنبياء لتقريب العباد إلى طاعة الله وإبعادهم عن معصيته ، وللوصول إلى الكمال الذي أراده لهم المولى عزوجل وهو المعرفة ، استدعى هذا اللطف بعينه أن يستمر إلى ما بعد مرحلة الأنبياء ، بأن يجعل للدين أئمة هم أفضل الخلق وأعرفهم وأعلمهم بحقائق الدين ، لكي يوصلوا النفوس التي لم تكتمل بعد إلى الكمال ويبلّغوا الأحكام المشرّعة التي لم تبلّغ للناس لأسباب خاصة ، ويربّوا من لم يتشرف برؤية النبيّ الأكرم والاستفادة منه ، وليس من المعقول أن يهمل الله الأمة ويتركها بدون من يدير شئونها ، في حين إنّ جميع الناس متساوون من حيث الحاجة إلى من يربّيهم ويعلّمهم ، وجميعهم متكافئون بقاعدة اللطف.
فمن البعيد جدا وخلاف الحكمة أن يترك النبيّ أمته بلا راع أو يتركها إلى
__________________
(١) للاستفادة أكثر فليراجع الفوائد البهية ج ١ / ٤١٣ وج ٢ / ٦٠.