أجل تنصيب الخليفة ، كما أن نصرة الولي لهم إنما تكون ببسط معارفه وأحكامه وإنفاذ أمره والأخذ منه لا أن يحبسوه في داره يحصون عليه أنفاسه ، بل يعتدون عليه وزوجه فيضربونها ويجهضونها ويكسرون ضلعها ، ويأخذونه مكبّلا بحمائل سيفه ليبايع ، فأي نصرة حينئذ منه للمؤمنين وهو بهذه الحال؟! وهل من النصرة أن يكون عليهالسلام منكسر البال والخاصر يصيح ويبكي يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني؟!!
أم أن النصرة تستدعي أن يكون ذا أنصار يجاهدون بين يديه ، يذبّون عنه الضيم ويدفعون عنه الأذى ، ويبسطون أفكاره وأحكامه ومعارفه!!
وبالجملة : قد دلت الآية الكريمة على انحصار الولاية بالله وبرسوله وأمير المؤمنين بأي معنى فسرت به الآية ، وأن ولايتهم من سنخ واحد ، فلا بدّ أن يكون أمير المؤمنين ممتازا على الناس جميعا بما لا يحيط به وصف الواصفين ، فلا يليق إلا أن يكون إماما لهم ونائبا عن الله تعالى عليهم جميعا ، لأن معنى نصرة الله ونصرة رسوله ونصرة أوليائه إنما هو التدخل في خصوصيات العباد والقيمومة على تصرفاتهم وشئون حياتهم ، وليس هناك معنى غير هذا المعنى للنصرة ، فلتذهب تأويلات العامة العمياء أدراج الرياح أمام نصرة الله ورسوله لوليه الأعظم عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
ويشهد لإرادة الإمامة من هذه الآية :
إن الله تعالى نفى أن يكون لنا وليّ غير الله وغير رسوله والذين آمنوا بلفظة «إنّما» ولو كان المراد به الموالاة في الدين لما خص بها المذكورين ، لأن الموالاة في الدين عامة في المؤمنين كلهم ، قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (١) ويشهد لما قلنا : أنّ لفظة «إنما» تفيد التخصيص ، لأن القائل إذا قال : إنما لك عندي درهم ، فهم منه نفي ما زاد عليه ، وقام مقام قوله : ليس لك عندي
__________________
(١) سورة التوبة : ٧١.