ذلك ، أما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته ..»(١).
ثانيا : إنّ وعد الله تعالى لرسوله بالأمن من مكر اليهود والنصارى جدير أن يكون في أول البعثة لا في أواخر أيامه صلىاللهعليهوآلهوسلم التي كان يهدّد فيها دول العالم وتهابه الأمم ، وقد فتح خيبر واستأصل شأفة بني قريظة والنضير ، وعنت له الوجوه وخضعت له الرقاب طوعا وكرها ، وفيها كانت حجة الوداع التي نزلت فيها آية البلاغ.
هذا بالإضافة إلى أن آية البلاغ ليس فيها ما هو خطر على اليهود والنصارى صراحة ، مع أن هناك آيات نزلت قبلها ، فيها تصريح بنفي الوثنية والشرك وذم المشركين من العرب واليهود والنصارى ولم يهدده الله تعالى في أمر تبليغهم ولا آمنه بالعصمة منهم.
ثالثا : إنّ المتصفح لسورة المائدة يرى أن معظمها يتعرض لحال اليهود والنصارى ، وقد بلّغها النبيّ الأكرم من دون أن يهدده الله تعالى ، مع التأكيد على أن اليهود عند نزول سورة المائدة قد كسرت شوكتهم وخمدت نيرانهم ، وشملتهم السخطة واللعنة فلا معنى لخوف النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم منهم في دين الله تعالى ، وقد دخلوا يومئذ في السلم والإسلام وقبلوا هم والنصارى الجزية ، ولا معنى لتقريره تعالى له خوفه منهم واضطرابه في تبليغ أمر الله تعالى إليهم وهو أمر قد بلّغ إليهم ما هو أعظم منه ، وقد وقف النبيّ قبل هذا الموقف فيما هو أهول منه وأوحش.
بهذه الوجوه يتعيّن حمل الخوف الحاصل عند النبيّ من منافقي قومه لا خوفه من اليهود والنصارى كما ادّعى الرازي ، لأنه من الواضح أن النبيّ لا يخشى منافقي قومه في تبليغ شيء جاء به إلّا نصب أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام إماما ، وقد ورد عندنا أنّ جبرائيل عليهالسلام نزل على النبيّ في حجة الوداع وأمره عن الله تعالى
__________________
(١) الاتقان في علوم القرآن ج ١ / ١٣٢.