بل إن كان شيء ـ ولا بدّ ـ فإنما يتصور بعد الهجرة واستقرار أمر الدين في المجتمع الإسلامي ، والمسلمين كالمعجون الخليط من صلحاء مؤمنين وقوم منافقين أولي قوة لا يستهان بأمرهم ، وآخرين في قلوبهم مرض وهم سمّاعون ـ كما نص عليه الكتاب العزيز ـ وهؤلاء كانوا يعاملون مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في عين أنهم آمنوا به واقعا أو ظاهرا ـ معاملة الملوك ومع دين الله معاملة القوانين الوضعية القومية كما يشعر بذلك طوائف من آيات الكتاب العزيز كآيات قصة أحد من سورة آل عمران ، والآيات ١٠٥ ـ ١٢٦ من سورة النساء.
فكان من الممكن أن يكون تبليغ بعض الأحكام مما يوقع في الوهم انتفاع النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم بتشريعه وإجرائه يستوجب أن يقع في قلوبهم أنه ملك في صورة النبوة وقانون ملكي في هيئة الدين.
وهذه شبهة لو كانت وقعت هي أو ما يماثلها في قلوبهم ألقت إلى الدين من الفساد والضيعة ما لا يدفعه أي قوة دافعة ، ولا يصلحه أي تدبير مصلح ، فليس هذا الحكم النازل المأمور بتبليغه إلا حكما فيه توهم انتفاع للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واختصاص له بمزية من المزايا الحيوية لا يشاركه فيها غيره من سائر المسلمين ، نظير ما في قصة زيد وتعدد الأزواج والاختصاص بخمس الغنائم ونظائر ذلك.
فقد ظهر من جميع ما تقدم أن الآية تكشف عن حكم نازل فيه شوب انتفاع للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم واختصاصه بمزية حيوية مطلوبة لغيره أيضا يوجب تبليغه والعمل به حرمان الناس عنه ، فكان النبيّ يخاف إظهاره فأمره الله بتبليغه وشدّد فيه ، ووعده بالعصمة من الناس وعدم هدايتهم في كيدهم إن كادوا فيه.
وهذا يؤيد ما وردت به النصوص من طرق الفريقين أن الآية نزلت في أمر ولاية الإمام عليّعليهالسلام ، وأن الله أمر بتبليغها ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يخاف أن يتهموه في ابن عمه ، ويؤخر تبليغها وقتا إلى وقت حتى نزلت الآية فبلّغها بغدير خم وقال فيه : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه.