فهو بهذا الكلام يتمنى على العامة ـ الذين بخعوا وخضعوا للحديث الشريف ـ أن يناقشوا السند المتواتر لأن المتن أو الدلالة المتواترة أيضا ـ بنظره ـ غير كاف لتضعيف الحديث الذي طالما احتج به الشيعة الإمامية منذ الصدر الأول للإسلام إلى وقتنا هذا ، وعليه يكون هذا المشكّك أول من فقأ سند الحديث من حيث خروجه عن الإجماع الإمامي ، حيث لم يسبقه إلى ذلك سابق إلا التفتازاني (١) الذي أنكر صحّة صدر الحديث ، أو البعض (٢) المنكر لصحة صدور الحديث ، وكلاهما من أكابر المعاندين عند الأشاعرة ، وخروج المذكور عن الإجماع القطعي لا يخرج بمسألة الغدير من دائرة القطعيات إلى دائرة المشكوك ، لأن الخارج شاذ لا يعبؤ به كما هو المعروف في مصطلح علم الحديث والدراية.
ولنا على المذكور ملاحظات هي :
(١) من المعروف في مصطلح الحديث أن النص المتواتر يغني تواتره عن البحث في سنده ، فإذا كان الحديث مرويا بشكل مكثّف ـ أي كونه متواترا ـ فلا حاجة حينئذ للدعوة إلى دراسة السند لأن الأخبار المتضافرة أو المتواترة يعني أن أسانيدها ومداليلها صحيحة وموثوقة ، لأن التواتر يضفي على القضية قوة فوق قوتها ، وجلاء ووضوحا في تحققها وحصولها ؛ فالبحث عن السند المتواتر حينئذ يعتبر خطأ فادحا عند الفقهاء وأرباب الحديث ، والتواتر كما في مصطلح علم الرجال يخرج بالقضية من دائرة الظنون والتشكيكات ليدخلها في دائرة الضروريات الدينية والتاريخية المسلّمة ، بحيث لا تدخل المسألة أو القضية المتواترة في بحث الأسانيد. هذا مضافا إلى أن سند حديث الغدير في أعلى درجات الصحة والتوثيق بشهادة كبار علماء العامة ، ولم يأتنا المشكّك ولو بمصداق واحد لإثبات ضعف الحديث والدعوة إلى البحث في سنده ، وما تشكيكه بالحديث وغيره من المعتقدات سوى تبنّي للفكر الأشعري ودعوة للانعتاق من الفكر الإمامي الذي
__________________
(١) المقاصد ص ٢٩٠ على ما ذكره صاحب الغدير : ج ١ / ٣١٥.
(٢) حكاه الطحاوي عن بعض على ما ذكره صاحب الغدير ج ١ / ٣١٥.