الثاني ، لأنه ليس من شأنه ، إذ هو المبعوث للإرشاد ، وخاصة في مثل هذا الحديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه» الذي ألقاه على جموع تبلغ مائة وعشرين ألفا وفيهم مائة وعشرة صحابي حيث جمعهم في قلب الصحراء القاحلة في غدير خم.
فإذا كان الأصل الحقيقي لكلمة المولى هو «الأولى بالتصرف» ولم ينصب النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم قرينة على إرادة غيره ، بل القرينة الداخلية ـ من داخل الحديث ـ تقتضي إرادة ذلك المعنى الأصلي ، فهو المراد له ، لا غيره ، خاصة أن أيّ واحد من المعاني الأخر المستعمل فيها المولى لا تناسب بوجه مقام كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وبتعبير آخر :
إن قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في صدر الحديث «ألست أولى بكم من أنفسكم» تمّ تفريعه على الصدر بقوله : «فمن كنت مولاه فعليّ مولاه» إشارة إلى أن المراد من «المولى» هو الأولى بالتصرف ، ولا وجه للتفكيك بين الصدر والذيل المتفرع عنه.
القرينة الثالثة :
إن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر أن يبلّغ الشاهد الغائب ، وهذا تأكيد لا يصح أن يصدر منهصلىاللهعليهوآلهوسلم لمجرد بيان النصرة أو المحبة ، أو تحسب أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤكد هذا التأكيد في تبليغ الغائبين أمرا علمه كلّ فرد منهم بالكتاب والسنّة من الموالاة والمحبة والنصرة بين أفراد المسلمين مشفوعا بذلك الاهتمام والحرص على بيانه؟ لا أحسب أن ضئولة الرأي يسفّ بالقارئ إلى هذا المستوى من الفهم. فلا بدّ أن يكون هذا التأكيد على شيء عظيم لم تتح الفرصة لتبليغه على نطاق واسع ، ولا عرفته جماهير المسلمين وما هو إلا إمامة عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام.
القرينة الرابعة :
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم عقيب نزول آية الإكمال : «الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعليّ بن أبي طالب» وفي لفظ شيخ الإسلام الحمويني : «الله أكبر على تمام نبوّتي وتمام دين الله بولاية عليّ بعدي». فأي معنى