عليّ بن أبي طالب مالك أمر الأمة وإمامها وأولى بها من نفسها في التصرف كالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وأما ما زعموا من جواز أن يراد الأولى في أمر من الأمور غير التصرف ، وما ادعوه من صحة الاستفسار والتقسيم فخطأ ظاهر لابتناء ذلك على إجمال الحديث ، وقد عرفت أن مقدمته وغيرها من القرائن تدل على أن المراد بالمولى الأولى بهم من أنفسهم في التصرف ومالك أمرهم وإمامهم ، كيف ولو كان الحديث مجملا مع تلك القرائن حتى يدخله الاحتمال المذكور ويجوز فيه الاستفسار والتقسيم لكانت كلمة الشهادة أولى بالإجمال لإمكان الاستفسار فيها بأن المراد هل هو لا إله إلا الله في السماء أو في الأرض ، أو لا إله إلّا الله في آسيا أو أوروبا أو غيرهما إلى غير ذلك ، ولإمكان التقسيم أيضا بنحو ذلك ، وهذا لا يقوله ذو معرفة.
ثالثا :
لقد عزب عن القوشجي والإيجي وكذا الرازي (١) اختلاف الأحوال في المشتقات لزوما وتعدية بحسب صيغها المختلفة. إنّ اتحاد المعنى أو الترادف بين الألفاظ إنما يقع في جوهريّات المعاني لا عوارضها الحادثة من أنحاء التركيب وتصاريف الألفاظ وصيغها ، فالاختلاف الحاصل بين المولى والأولى بلزوم مصاحبة الثاني للباء وتجرّد الأول منه إنما حصل من ناحية صيغة افعل من هذه المادّة كما أن مصاحبة (من) هي مقتضى تلك الصيغة مطلقا ، إذن فمفاد فلان أولى بفلان ، وفلان مولى فلان ، واحد حيث يراد به الأولى به من غيره. كما أن (أفعل) بنفسه يستعمل مضافا إلى المثنى والجمع أو ضميرهما بغير أدات فيقال : زيد. أفضل الرجلين أو أفضلهما ، وأفضل القوم أو أفضلهم ، ولا يستعمل كذلك إذا كان ما بعده مفردا فلا يقال : زيد أفضل عمرو ، وإنما هو أفضل منه ، ولا يرتاب عاقل في اتحاد المعنى في الجميع ، وهكذا الحال في بقية صيغ افعل كأعلم وأشجع وأحسن وأسمح وأجمل إلى نظائرها.
__________________
(١) تفسير الرازي ج ٢٩ / ٢٢٧ سورة الحديد آية ١٥.