الثُّلُثُ » (١) فبيّن جل اسمه هاهنا حكم الوالدين في الميراث مع وجود الولد وفقده فكيف يجوز ان يعلق إيجاب النصف للبنت الواحدة والثلثين للبنتين ، بوجود الأبوين ، وقد تقدم ذكر حكم البنات مطلقا وبعد الخروج عنه أتى ذكر الأبوين مشروطا ، وكيف يتوهم ذلك فتأمّل ، والله تعالى يقول ـ ان كان له ولد ـ فشرط في ميراث الأبوين الولد ، ولو كان المراد ان النصف للبنت ، والثلثين ، مع وجود الأبوين ، لكان اشتراط الولد لغوا واشتراطا لما هو موجود مذكور ، ولو صرح تعالى بما ذكروه ، لكان الكلام قبيحا خارجا عن البلاغة والبيان ، الا ترى انه لو قال تعالى ولأبويه مع البنت أو البنتين لكل واحد منهما السّدس ، ان كان له ولد لقبح ذلك وفحش ، فكيف يقدر في الكلام ما لو أظهرناه لكان غير مستقيم ، واجمع أهل العربيّة على ان الوقف التام عند قوله تعالى ـ ( وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) ـ ولو كان المراد ما توهموه من ان لها النصف مع الأبوين ، لما كان ذلك وقفا تاما ، ولا خلاف بين أحد من أهل العلم البتة ، والمفسرين ، وأصحاب الاحكام ، في ان قوله تعالى ـ ( وَلِأَبَوَيْهِ ) ـ كلام مبتدأ مستأنف ، لا تعلق له بما قبله.
فاما اعتذارهم عند سماع هذا الكلام بان اشتراط الولد انما حسن ، ليدخل فيه الذكور وما زاد على البنتين ، لانه لم يمضي إلا ذكر البنت الواحدة والبنتين ، فعجيب ، لانه لو أراد ما ذكروه لقال تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين مع الأبوين ، فإن كن نساء فوق اثنتين معهما فلهما ثلثا ما ترك ، وان كانت واحدة معهما فلها النصف ، فلو أراد هذا المعنى على التّرتيب الذي رتبوه ، وعنى بقوله ان ذلك لهما مع البنت أو البنتين وما زاد عليهما ، وأراد أن يبين ان السدسين للأبوين مع الأولاد ، لكان لا يحسن ان يقول ان كان له ولد ، بل يقول وان كان له أيضا ذكور ، لأنّه قد تقدم ذكر البنت الواحدة وما زاد عليها ، فلا معنى لاشتراط الولد وانفراد قوله تعالى ـ ( وَلِأَبَوَيْهِ ) ـ عن الجملة المتقدمة لا يذهب على متأمل ، وانما فروا بهذا التقدير الذي لا يتحصل عن نقصان البنت في مسألة العول عن النصف ،
__________________
(١) سورة النساء ، الآية ١١.