وشيخنا فقد رجع في مبسوطة عما ذكره في مسائل خلافه ، فقال في مبسوطة ، والذي يقتضيه مذهبنا انه لا يقدر ذلك ، بل يقسم الامام على ما يراه من حاله من الغنى والفقر ، وان يفرقه على القريب والبعيد ، وان قلنا يقدّم الأولى فالأولى كان قويا ، لقوله تعالى « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » (١) وذلك عام هذا آخر كلامه رحمهالله (٢).
والذي يتحمل العقل عن القاتل من العاقلة ، من كان منهم غنيا أو متجملا ، واما الفقير فلا يتحمل شيئا منها ، ويعتبر الغنى والفقر حين المطالبة والاستيفاء ، وهو عند حئول الحول ، ولا يعتبر ذلك قبل المطالبة ، لأنه يحل عند انقضاء كل حول منها ثلثها.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته ، ان العاقلة ترجع بالدّية على القاتل (٣) وهذا خلاف إجماع المسلمين قاطبة ، ولانه حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة ، وقال بعض أصحابنا ان العاقلة ترجع على القاتل بالدية ، ولست اعرف به نصا ولا قولا لأحد (٤).
اختلفوا في معنى تسمية أهل العقل بأنهم عاقلة.
منهم من قال العقل اسم للدية وعبارة عنها ، وسمى أهل العقل عاقلة ، لتحملهم ذلك ، يقال عقلت عنه إذا تحملتها عنه ، وعقلت له إذا دفعت الدية اليه.
ومنهم من قال انما سميت بالعاقلة ، لأنها مانعة ، والعقل المنع ، وذلك ان العشيرة كانت تمنع عن القاتل بالسيف في الجاهليّة ، فلما جاء الإسلام منعت عنه بالمال ، فلهذا سميت عاقلة.
وقال أهل اللغة العقل الشد ، ولهذا يقال عقلت البعير إذا ثنيت ركبته وشددتها ، وسمى ذلك الحبل عقالا ، فسمّي أهل العقل عاقلة ، لأنها تعقل الإبل بفناء وليّ المقتول
__________________
(١) سورة الأنفال ، الآية ٧٥.
(٢) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٧٨.
(٣) المقنعة ، باب البينات على القتل ص ٧٣٧.
(٤) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٧٤.