والعادة لا يسمى بيتا ، فإذا طرأ عرف الشرع على عرف اللغة أو الاستعمال ، كان الحكم له ، والمرجع اليه ، دون العرفين ، بغير خلاف من محصل لأصول الفقه.
وقال شيخنا في مبسوطة ، لا يحنث لأنّ البيت ما يكون للإيواء والسكنى (١).
ثمّ قال في موضع آخر من تصنيفه ، في مسائل خلافه ، إذا حلف لا يأكل لحما ، فأكل لحم السمك ، حنث ، ثمّ قال دليلنا ان اسم اللحم يطلق عليه ، قال الله تعالى « وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا » (٢) وقال « وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا » (٣) فإذا كان اسم اللّحم ينطلق عليه ، وجب ان يطلق الأيمان عليه ، هذا آخر كلامه (٤).
قال محمّد بن إدريس رحمهالله العرف الشرعي وهو القرآن ، هو الّذي سمّاه لحما ، وان كان في عرف الاستعمال والعادة لا يسمّى لحما ، فلزمه في البيت والكعبة ما الزم خصمه من الاستشهاد بالقرآن ، وتحنيث من دخل الكعبة في المسألة الأولى ، إذ هما سواء.
إذا حلف لا يأكل من طعام اشتراه زيد ، فاشترى زيد وعمرو طعاما صفقة واحدة ، فأكل منه ، لم يحنث عندنا إذا اقتسما هذا الطّعام ، وأفرد كل واحد منهما نصيبه ، فإن أكل من نصيب زيد أو نصيب عمرو لم يحنث.
إذا حلف لا يلبس ثوبا من عمل يد فلان ، فوهب له فلان ثوبا ، فان لبسه حنث بلا خلاف ، وان استبدل به ، وباعه ، وبادل به ، ولبسه لم يحنث إذا حلف لا يدخل دار زيد ، فان دخلها وهي ملك لزيد ، حنث بلا خلاف ، وان كان ساكنها بأجرة ، لم يحنث ، لأن حقيقة هذه الإضافة تقيد الملك ، وانّما يستعمل في السكنى مجازا ، وظواهر الأسماء يجب حملها على الحقيقة ، والدّليل على ان حقيقة ذلك ما قلناه ، انه لو قال هذه الدار لزيد ، كان ذلك اعترافا بالملك ، ولو قال
__________________
(١) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب الايمان ، ص ٢٤٩ ، والعبارة هكذا ، « لان البيت إذا أطلق يتناول ما بنى للإيواء والسكنى ».
(٢) سورة فاطر ، الآية ١٢.
(٣) سورة النحل ، الآية ١٤.
(٤) الخلاف ، كتاب الايمان ، مسألة ٧٣.