مع اللّحم ، وهذا خروج منه عن الحقائق إلى المعاني ، والمقاييس ، فلا يعرج عليها ، ولا يلتفت إليها.
إذا حلف لا يشم الورد ، فشم دهنه ، لا يحنث ، وكذلك البنفسج ، لأنّ اليمين ما تعلقت الّا بشم الورد والبنفسج ، فلا يتعدى الى غيره ، ولا يرجع عن الحقائق الى المجازات ، والمعاني ، والتخريجات.
إذا حلف ان لا يأكل لحما فأكل لحم النعم والصّيود والطيور ، حنث ، بلا خلاف ، وان أكل لحم السّمك ، ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، إلى أنه يحنث ، واحتج بالآية ، وهي قوله تعالى « وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا » (١) وإذا كان اسم اللحم ينطلق عليه شرعا ، وجب ان تطلق الايمان عليه (٢).
الّا انّه رجع عن ذلك في مبسوطة ، وقال لا يحنث بأكل لحم السّمك (٣).
وهو قوى لعرف العادة ، والأوّل أقوى ، للآية ، لأن عرف الشرع إذا طرأ على عرف العادة ، كان الحكم لعرف الشرع.
وقال شيخنا في مسائل خلافه : إذا حلف لا شربت من نهر ، لا شربت من دجلة ، فمتى شرب من مائها ، سواء غرف بيده ، أو في كوز ، أو غيره ، أو كرع فيها كالبهيمة ، حنث (٤).
الّا انه رجع عن ذلك ، في مبسوطة ، فقال لا يحنث حتّى يركع فيها كالبهيمة ، لأنّه إذا شرب غرفا بيده ، فما شرب منها ، وانما شرب من يده (٥).
وهذا الّذي يقوى في نفسي ، لأن الأصل براءة الذّمة ، والكلام في الحقائق دون المجاز ، وهذا هو الحقيقة ، وما عداه مجاز.
ومعنى قوله كرع يقال كرع في الماء يكرع كروعا ، فهو كارع ، إذا تناوله بفيه من
__________________
(١) سورة النحل ، الآية ١٤.
(٢ و ٤) الخلاف ، كتاب الايمان ، مسألة ٧٣ ـ ٦٧.
(٣) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب الايمان ص ٢٣٩ ، والعبارة هكذا : فإن أكل لحم الحيتان لا يحنث.
(٥) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب الايمان ، ص ٢٣٢.