ولا شبهة على متأمل في ان الظن لا حكم له مع إمكان العلم ، فكيف بثبوته ، وكيف يتوهم عاقل صحة الحكم مع ظن الصدق ، وفساده مع العلم به ، وهو تفرّق يفرق بين حالتي العالم والظان.
وأيضا فصحّة الحكم بالإقرار والبيّنة أو اليمين ، فرع للعلم بالإقرار وقيام البيّنة ، وحصول اليمين ، وثبوت التعبد بالتنفيذ ، فلو كان العلم بصحة الدعوى أو الإنكار غير متعبّد به ، لم يصح حكم بإقرار ولا بيّنة ولا يمين ، لوقوف صحته على العلم الذي لا يعتد به ، لان العلم بالشيء ان اعتد به في موضع ، فهذا حكمه في كل موضع ، وان القى حكمه في موضع ، فهذه حاله في كل موضع ، وذلك خروج عن الحق جملة ، إذ لا برهان عليه له يميز من الباطل غير العلم.
وأيضا فلو لم يلزم الحاكم الحكم بما علمه من غير توقيف (١) على إقرار أو بيّنة أو يمين ، لاقتضى ذلك الحكم بما يعلم خلافه ، إذا حصل به إقرار أو بيّنة أو يمين ، من تسليم ما يجب المنع منه ، والمنع مما يجب تسليمه ، وقتل وقطع من علم عدم استحقاقه لهما ، وإلحاق نسب من يعلم براءة منه ، الى غير ذلك مما لا شبهة في فساده.
وأيضا فلو لم يكن الحكم بالعلم معتبرا لم يصح للحاكم تنفيذ ما تقدم الإقرار به أو الشهادة ، لضمان التنفيذ ، لأنه ان حكم في هذه الحالة ، فإنما يحكم لعلمه بماضي الإقرار والبيّنة ، فإذا كان الحكم بالعلم لا يصح ، لم يصح هاهنا ، والمعلوم خلاف ذلك ، إذ لا فرق بين ان يحكم (٢) للعلم بالإقرار والبيّنة وبين العلم بصحة الدعوى أو الإنكار ، بل الثاني أظهر.
وأيضا فلو كان المعتبر في الحكم الإقرار والبيّنة واليمين دون العلم ، لم يجز إبطال ذلك متى علم الحاكم كذب المقر أو الشهود أو الحالف ، والإجماع بخلاف ذلك.
فثبت كون العلم أصلا في الاحكام ، وسقط قول من منع من تنفيذها به.
وليس لأحد ان يمنع من الحكم بالعلم لنهى عنه ، أو فقد تعبد بمقتضاه ، من حيث كان ما قدمناه من الأدلة على صحة الحكم به ، وكونه غير مستند الى علم
__________________
(١) ج. ل. توقف.
(٢) ج. ان يحكم العالم.