الأمر إلا بتدبيري ورأيي ، أما يذكر حين قتل أبوه فقمت بتدبير أمره ، وقمعت الخوارج عليه من أهله ، وغيرهم ، منهم : فلان وفلان ، وذكر جماعة من خرج عليه ، وهو ذلك الوقت يتمسّك بي ويلزمني ، ولا يخالفني فلمّا قدت الأمور إليه ، وجمعت الكلمة عليه ، وفتحت له الأمصار القريبة والبعيدة وأطاعه القاصي والداني ، أقبل يتجنّى لي الذنوب ، ويسمع فيّ السّعايات؟ قولوا له عنّي : إنّ ثبات تلك القلنسوة معذوق بهذه الدواة ، وإنّ اتفاقهما رباط كلّ رغيبة [رعيته] وسبب كل غنيمة ، ومتى أطبقت هذه زالت تلك ، فإن عزم على تغيير فليتزوّد للاحتياط قبل وقوعه ، وليأخذ الحذر من الحادث أمام طروقه ؛ وأطال فيما هذا سبيله ، ثم قال لهم : قولوا للسلطان عنّي مهما أردتم ، فقد أهمّني ما لحقني من توبيخه وفتّ من عضدي.
فلما خرجوا من عنده اتّفقوا على كتمان ما جرى من السلطان وأن يقولوا له ما مضمونه العبودية والتنصّل ، ومضوا إلى منازلهم ، وكان الليل قد انتصف ، ومضى «يلبرد» إلى السلطان فأعلمه ما جرى ، وبكّر الجماعة إلى السلطان ، وهو ينتظرهم ، فقالوا له من الاعتذار والعبوديّة ما كانوا اتّفقوا عليه ، فقال لهم السلطان : إنه لم يقل هذا ، وإنما قال كيت وكيت ؛ فأشاروا حينئذ بكتمان ذلك رعاية لحقّ نظام الملك ، وسابقته ، فوقع التدبير عليه ، حتى تمّ عليه من القتل ما تم. ومات السلطان بعده بخمسة وثلاثين يوما ، وانحلّت الدولة ، ووقع السيف ، وكان قول نظام الملك شبه الكرامة له ، وأكثر الشعراء مراثيه. فمن جيّد ما قيل فيه قول شبل الدولة مقاتل بن عطيّة :
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة |
|
يتيمة صاغها الرحمن من شرف |
عزّت فلم تعرف الأيام قيمتها |
|
فردّها ، غيرة منه ، إلى الصّدف |
ورأى بعضهم نظام الملك بعد قتله في المنام ، فسأله عن حاله ، فقال :