ففارقهم ووصل إلى بغداد ، ثم خرج إلى خراسان واختصّ بالوزير نظام الملك وصاهره ، ولما قتل نظام الملك رثاه أبو الهيجاء ببيتين ثم عاد إلى بغداد وأقام بها مدة وعزم على قصد كرمان مسترفدا وزيرها ناصر الدين مكرم بن العلاء ، وكان من الأجواد المشاهير فكتب إلى الإمام المستظهر بالله قصّة يلتمس فيها الإنعام عليه بكتاب إلى الوزير المذكور مضمونه : «يا أبا الهيجاء ، أبعدت النجعة ، أسرع الله بك الرّجعة وفي ابن العلاء مقنع ، وطريقة في الخير مهيع وما يسديه إليك تستحلي ثمرة شكره ، وتستعذب مياه برّه ، والسلام».
فاكتفى أبو الهيجاء بهذه الأسطر واستغنى عن الكتاب ، وتوجه إلى كرمان فلما وصلها قصد حضرة الوزير ، واستأذن في الدخول ، فأذن له ، فدخل عليه ، وعرض على رأيه القصّة ، فلما رآها قام وخرج من دسته إجلالا لها ، وتعظيما لكاتبها ، وأطلق لأبي الهيجاء ألف دينار في ساعته ثم عاد إلى دسته ، فعرّفه أبو الهيجاء أنّ معه قصيدة يمدحه بها ، فاستنشده إياها ، فأنشده:
دع العيس تذرع عرض الفلا |
|
إلى ابن العلي وإلّا فلا |
فلما سمع الوزير هذا البيت أطلق له ألف دينار أخرى ، ولما أكمل إنشاده القصيدة أطلق له ألف دينار أخرى ، وخلع عليه ، وقاد إليه جوادا بمركبه وقال له :
دعاء أمير المؤمنين مسموع مرفوع وقد دعى لك بسرعة الرّجوع ؛ وجهّزه بجميع ما يحتاج إليه فرجع بغداد ، وأقام بها قليلا ، ثم سافر إلى ما وراء النهر وعاد إلى خراسان ، ونزل إلى هراة ، واستوطنها ؛ ومرض في آخر عمره ، وتسودن ، وحمل إلى البيمارستان وتوفي به حدود سنة خمس وخمسمائة رحمهالله تعالى (١).
__________________
(١) وفيات الأعيان ج ٥ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، ط / بيروت ، رقم الترجمة ٧٣٤.