الوجود وتوحيد الموجود ، وفئة التّحدّس وحزب التألّه من الفلاسفة المحصّلين ، حيث يقولون: «الوجود جزئيّ حقيقى قائم [٦٩ ب] بذاته ، وإنّما لفظ «الموجود» الواقع على غيره من باب «المشمس» و «الحدّاد» الواقعين على الذّوات بمعنى الانتساب ، لا بمعنى الانتزاع ؛ لو كانوا يشعرون بسرّ العلم ويسبرون دخلة الأمر ، فينطقون بالحقّ ، ويرفضون تشبيه الحقّ المحض والباطلات من حيث الذّوات بالبحر والأمواج ، وتعطيل العقل عن انتزاع الموجوديّة المطلقة الفطريّة من الجائزات المتقرّرة بالفعل بالجاعل ، لكانوا من الحكماء العظماء اليمانيّين الإلهيّين ، أبناء الحقيقة ، ورصّاد المواقيت ، وأولياء خلع الأجساد ، وأقوام رفض النّواسيت ؛ ولكان ما به يدينون مكيال الحقّ والتّحصيل ، وما عليه يعوّلون ميزان الصدق والتحويل.
تقديس
(٢٧ ـ يجب أن يكون للوجود وجود بالذّات)
وليكن من المحقّق عندك أنّه ، كما النّظر في تقرّر ما ووجود ما ، بل في طبيعة التّقرّر والوجود ، يسوق العقل إلى إثبات تقرّر بالذّات ووجود بالذّات ، أعني المتقرّر بنفسه الّذي ماهيّة هي بعينها تقرّره ووجوده ، فكذلك كلّ طبيعة هي كمال مطلق للتقرّر بما هو تقرّر وحلية مطلقة للوجود بما هو وجود ، كالعلم والقدرة والحياة والإرادة والاختيار. أليس ، كما أنّ مبدع الماهيّة ومفيض الوجود يجب أن يكون ، لا محالة ، في نفسه حقيقة حقيقيّة موجودة ، فكذلك واهب الكمال المطلق للموجود بما هو موجود ومفيضه ، ولا سيّما إذا كان واهبا ومفيضا بذاته ، يجب ، لا محالة ، أن يكون في نفسه متحلّيا بذلك الكمال غير عرو منه. فلذلك يمتنع أن يكون شيء يهب كمالا ما لذاته ويفيضه [٧٠ ظ] على نفسه.
فكما الوجود ليس يسوغ أن يكون من لوازم الماهيّة على الاصطلاح الشّائع ، بل يجب أن يكون إمّا عينها البتّة ، أو مفاضا عليها من تلقاء الغير. فكذلك الكمالات الحقيقيّة المطلقة للوجود بما هو وجود. وكيف يكون الشّيء مفيض الوجود على نفسه وهو مسلوب الوجود في حدّ نفسه ؛ أو واهب الكمال لذاته ، وهو ممنوّ بالنّقص في مرتبة ذاته. وبالجملة المفيض ، لا محالة ، أكرم وأمجد من المفاض عليه ، فكيف يكون الشّيء مفيضا