فصل (٤)
في تحقيق معانى الدهر والسّرمد وبيان متى الأشياء والفرق بين الزمانيّات و
الأشياء الغير الزمانيّة في الانتساب إلى الزمان وأمور اخر تتمّم النظر وتكمّل الغرض
[١] سرّ طيّه أسرار
ما أسهل ما يتأتى لك أن تتحدث أن الامتداد إنّما هو من أوصاف الكميّة المتصلة لا غير ، فلا يوصف به الوجود أو العدم بالذات أصلا ، بل إنّما يصحّ ذلك بالعرض على أن يكون الممتدّ حقيقة هو الزمان ، واتّصاف الوجود أو العدم بالامتداد عبارة عن مقارنة أحدهما لما هو الموصوف به حقيقة [١١٤ ظ] ، أعنى الزمان ، فوجود شيء من الموجودات لا يصلح أن يحكم عليه بامتداد خاصّ ، أو الامتداد المطلق إلّا باعتبار المقارنة لزمان معيّن أو لطبيعة الزمان. وكذلك اللاامتداد بمعنى كون الشيء دفعيّتا غير ممتدّ ، فإنّ موصوفه بالذات إنّما هو الآن طرف الزمان لا ، شيء آخر أصلا. وأمّا الوجود أو العدم أو أيّة طبيعة كانت من الأمور التي هي غير الآن ، فلا تتصف بذلك المعنى إلّا باعتبار مقارنة الآن على سبيل الانطباق عليه. ففى طبيعة الوجود من حيث هو وجود ، أى لا من حيث مقارنة الزمان ، وطرفه ليس [١١٤] إلّا التحقّق الصّرف من دون أن يكون على امتداد أو لا امتداد. وكذلك في العدم الصّرف ليس إلّا الانتفاء البحت من غير أن يتّصف باستمرار أو لا استمرار. فلست أعنى باللّاامتداد مجرّد سلب الامتداد ، أى مقابله مقابلة السلب والإيجاب.
أفليس من البيّن أنّ المتقابلين تلك المقابلة لا يعرى عنهما موضوع بحسب نفس الأمر البتة. وإن عريت عنهما الذات بحسب خصوص بعض الملاحظات التي هي أنحاء وجود الشيء في نفس الأمر ، أعنى حيث تؤخذ الذات من حيث هي ، بل إنّى أعنى بذلك إمّا مقابل الامتداد [١١٥ ظ] مقابلة العدم والملكة الذي هو أخصّ من نقيضه بقيد الاستعداد ، فيخلو عنها الموضوع الغير القابل ، كالوجود الذي لا يشاب بالدخول تحت الكون والعدم الذي لا يختصّ بالوقوع في زمان أو في طرفه أو الأخصّ من ذلك أيضا ، أى كون الشيء دفعيّا غير ممتدّ منطبقا على طرف الزمان ، فإنّ هذا