يوجد فيه أصلا ؛ وإن ريم أنّه في نفسه غير مقيس إلى الآن غير موجود في الواقع وبخلاف الماضى فهو شطط عن الحدّ ، والفرق تعسّف على الحقّ.
وإنّما الّذي استصحّته العقول الصّريحة واستحقّته الحكمة الحقّة الصّحيحة : هو أنّ الماضيات بالذّات والمستقبلات بالذّات ليست إلّا الأجزاء الوهميّة المأخوذة من موجود واحد هو الكم المتّصل الغير القارّ بالذّات الموجود على امتداده الاتّصالىّ في الدّهر شيئا وحدانيّا صالحا للانحلال في الوهم إلى ممتدّات هي الماضيات والمستقبلات بالذّات.
ثمّ إنّ المضىّ والاستقبال يختلفان باختلاف المقيس إليه من الزّمنيّات فربّ مستقبل بالقياس إلى زمنىّ ما ، هو ماض بالقياس إلى زمنىّ آخر وبالعكس ، والآن لا يصحّ له وجود بالفعل إلّا في الوهم ، فلا يكون يوجد وجود فاصل أصلا. بل إنّما وجوده وجود واصل بين ماض ومستقبل أبدا. ولكن ذلك ليس يصادم كون الزّمان حادث الوجود من بعد عدمه الدّهرى. أفلسنا قد تلونا عليك أنّ الحدوث الدّهريّ ليس مبدأ استيجاب الآن أصلا ، بل الحدوث الزّمانىّ أيضا إلّا في الدّفعيّات الحصول.
وإن سألت عن الحقّ الصّريح ، فإنّ تناهي الزّمان بحسب مقداريّته في جهة الأزل ليس على ما يستوجب طرفا له بالفعل يكون من عنده البداية ، فضلا عن حدوثه الدّهريّ.
تذكرة
(٥ ـ نهايات المقادير من الوضع لا من جهة المقداريّة)
يا قوم ، قد أبلغتكم ، في صحفى من قبل ، أنّ أطراف المقادير نهايات لها من جهة الوضع ، لا من جهة المقداريّة ، ولذلك لا يكون لمتناهي الكميّة في المساحة إذا كان غير متناهي الوضع طرف ؛ وإنّه فرق ما بين انتفاء المقدار وانتهائه إلى حدّ ، وأنّه إنّما عدم المقدار في الانتهاء انتفاء تماديه عند الحدّ ، لا انتفاء ذاته رأسا ، وأنّ طرف المقدار المتناهى الامتداد يكون فى جهة امتداده أبدا ، بحيث لو توهّم تماديه منبسطا عاد الطّرف الفاصل حدّا واصلا ، وأنّ حدوث الحركة لا يتحدّد بآن ، وإنّما الآن نهاية زمان السّكون إذا كان هناك سكون قبل الحركة ، وأنّ في حدوث الزّمان والحركة الّتي هي محلّه وتناهيهما بحسب الكميّة في جهة الأزل ليس يتصوّر شيء من ذلك كلّه ، فهل أنتم متبصّرون.