لا مؤاخذة بها وليست منشأ استيجاب ترتّب عقاب ولا ذمّ. إنّما مبدأ استيجاب الذمّ والعقاب التلبّس بتلك المعصية المنويّة وفعلها بالجوارح.
ثمّ إنهم ذكروا أنّ الإصرار على الصغائر المعدود من الكبائر قسمان ، فعلىّ وحكمىّ. أمّا الفعلىّ فهو المداومة على نوع واحد من الصغائر بلا توبة أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة. وأمّا الحكمىّ فهو العزم على فعل تلك الصغيرة المأتيّ بها بعد الفراغ منها.
فهذان القولان متدافعان ، فإنّ مجرّد العزم على فعل الكبيرة ليس من المعصية في شيء ، فكيف يكون العزم على فعل الصغيرة معصية ومن كبائر المعاصى؟ فشيخنا السعيد الشهيد ، قدّس الله نفسه الزكيّة ، قد أورد هذين المتدافعين في قواعده.
ونحن بفضل الله العظيم قد بيّنّا سبيل التحصيل وحققنا القول الفصل الجزل المحصّل هنالك في حواشينا المعلّقات على كتابه وفي رسالتنا «السبع الشداد». والحمد لله ربّ العالمين على عظيم منّه وجزيل إنعامه.
الإعضال العشرون
(معنى الكراهة في العبادات)
قد تطابقت آراء الفقهاء قولا واحدا على أنّ الكراهة المستعملة في العبادات إنّما معناها طفافة الثواب وطفف درجات المثوبة وبخس كمال الرجحان وضعف تمام الجهة المحسّنة المرجّحة ، لا المعنى المصطلح عليه ، الذي هو أحد الأحكام الخمسة ، وكيف تتصحح عبادة صحيحة شرعيّة لا ثواب ، كما لا عقاب ، على فعلها ، بل إنّما الثواب على تركها فقط ، على ما هو ديدن شأن المكروه المصطلح عليه. فكما لا مباح في العبادات فكذلك لا مكروه فيها ، على معناه الحقيقىّ المعقود عليه الاصطلاح.
ثمّ إنّك لتسمعهم يقولون : العبادات تنظم الأقسام الخمسة جميعا ما عدا المباح ، فتوصف العبادة بالوجوب والاستحباب والتحريم والكراهة ، كالصلاة المنقسمة إلى الواجبة والمستحبّة ، وإلى صلاة الحائض ، وإلى الصلاة في الأماكن المكروهة والأوقات المكروهة ؛ والصّوم المنقسم إلى الأربعة ، كصوم رمضان وشعبان والعيدين والسفر.
فهذه عبارة شيخنا المحقق الشهيد ، قدّس الله لطيفه ، بأليفاظه في كتابه «القواعد» وفاقا لمن تقدّمه من العلماء والفقهاء. وهل ذلك في ظاهر الأمر إلّا صرح التدافع وصراح التهافت؟